بقلم/ الأديب المصرى.. د/طـارق رضوان
صفحات التاريخ لم تخل من قصص نساء شاركن في صناعته، وعرفن ما يتطلبه الإبداع للكاتب من شروط خاصة، فإذا كنا نذكر اليوم طه حسين وفلاديمير نابوكوف. فإننا نذكر في الوقت نفسه زوجاتهم العظيمات اللواتي شكلن شرارة الإبداع والإلهام التي حركت مكامن الموهبة والابتكار لديهم، والطاقة الإيجابية المفيدة في شحذ عبقريتهم، وأسسن لنقاط الثبات التي انطلقوا منها إلى مجدهم الأدبي.
فقد استطاعت سوزان أن تحطم جدران عزلة الأديب طه حسين بمشاعرها المرهفة وحماسها ورقتها الشديدة، ومع ذلك نجدها لا تتحدث على الإطلاق عن هذا الدور الحيوي أو عن نفسها في كتابها، بل ركزت كل اهتمامها وخطابها بشكل كامل علي زوجها، لذلك جاء اختيارها لعنوان الكتاب «معك» معبراً، كما تناولت الصعوبات التي كانت تواجهها بسبب حالة زوجها التي احتلت مكانة مركزية في حياتهما، وقلقها الدائم عليه، ويكتب طه حسين في ذلك: «بدونك أشعر فعلاً بأني ضرير، لأني معك قادر على استشعار كل شيء وعلى الاختلاط بالأشياء التي تحيط بي».
وقد وثق نابوكوف إلهام فيرا في كافة المجالات، فقد كانت حبيبته وزوجته وأم ابنه، تكتب للناشرين نيابة عنه، وكانت ترد على اتصالاته، والباحثة التي تزوده بما يريد، ومترجمة أعماله إلى اللغات الأخرى، ومديرة شؤونه، ومعاونته في الكتابة، كما كانت سائق سيارته أيضاً. واعتادت أن تقود السيارة به إلى أعماق الغابة وتتركه وحيداً ليكتب، كما شاركته شغفه وحبه في الشطرنج وصيد الفراشات، كانت تجلس بجانبه خلال محاضراته في الأدب الروسي خلال فترة تدريسه في جامعة كورنيل، ولم ينفصلا على الإطلاق حتى إن كانت هناك إشاعات بدأت بالانتشار أن فيرا كانت تملك مسدساً في حقيبتها لحماية نابوكوف بوصفها حارساً شخصياً له، وكان نابوكوف يقول: «من دون زوجتي، لم يكن ممكناً أن أكتب كتاباً واحداً».
وفي أميركا اللاتينية كانت السيدة مرسيدس زوجة غابرييل غارسيا ماركيز زوجة وفية لزوجها، ما جعل منها ذات مرة ترهن السخانة الكهربائية، ومجفف الشعر والمفرمة الكهربائية لتسديد المستحقات البريدية لغابرييل غارسيا ماركيز، لإرسال الجزء الأول من رواية «مائة عام من العزلة» إلى الناشر في الأرجنتين
حقيقة دعمها دستويفسكي نفسه بقوله لزوجته: «أنتِ المرأة الوحيدة التي تفهمني». كما حكت هي في مذكراتها. و ذات يوم قال الكاتب الروسي «ليو تولستوي»: «إن معظم كتاب روسيا بحاجة إلى زوجة مثل زوجة دستويفسكي».
وهذا المدح يشير إلى أهمية الزوجة في حياة الكاتب بصفة عامة. ويحمل تاريخ الأدب العربي والعالمي سيرًا لزوجات كتاب كبار كان لهن دور عظيم في حياة أزواجهن. ومن هؤلاء «عطية الله إبراهيم» زوجة نجيب محفوظ. و«أنا جريجوريفنا دستويفسكايا» الزوجة الثانية لدستويفسكي التي قصدها تولستوي بمقولته
لذلك كان دستويفسكي – الأخلاقي البائس – يكتب بأقصى طاقته تحت ضغط الحاجة للوفاء بأقساط ديونه والإنفاق على نفسه ومن يعولهم.
وأمام التزاماته المتعددة، وضيق الوقت أصبح بحاجة إلى كاتبة اختزال يملي عليها رواية «المقامر» التي اتفق على تسليمها للناشر في موعد محدد. وهنا ظهرت «أنا جريجوريفنا» التي أرسلها له أحد أصدقائه لتقوم بمهمة الاختزال. وتنجح في مهمتها، وتساعد الكاتب على تسليم ملازم الرواية في الوقت المحدد، وبذلك تفوت الفرصة على الناشر اللئيم الذي كان يتربص بدستويفسكي لكي يستولي على حقوق نشر مؤلفاته من دون مقابل، بالإضافة إلى دفع دستويفسكي غرامة مالية كشرط جزائي لتأخره عن تسليم الرواية.
فقد تسلل حبها هادئا وواثقا وبنعومة إلى قلب الروائي البائس، وعندما فاتحها في أمر الزواج على استحياء خوفا من فارق العمر بينهما، كانت المفاجأة أنها هي أيضا أحبته، ووافقت على الزواج منه. لكن هل هذا هو كل شيء لكي تصبح زوجة دستويفسكي امرأة عظيمة، تستحق مقولة تولستوي فيها؟
بالطبع لا. فهناك ما هو ضروري لاكتمال شروط عظمة الزوجة خاصة إذا كانت زوجة كاتب. ومن ذلك الصبر وإنكار الذات، والقبول بوضعية استثنائية في ظل رجل مشغول دائما بكتاباته، وتوفير أقصى درجات الراحة والانسجام له لكي يمارس عمله. وهي أشياء فعلتها «أنَّا» ببراعة.
وبالمثل قال محفوظ مادحا زوجته: «إذا كان لأحد فضل في المكانة التي وصلت إليها بعد الله – سبحانه وتعالى – فهي زوجتي عطية الله التي كانت بالفعل عطية من الله». نجيب محفوظ لم يعش قصة حب مع زوجته قبل زواجهما. لكنه آنس منها تفهما لطبيعته الشخصية واحتياجاته ككاتب. زوجة ارتضت أن يحاط زواجهما بالسر لمدة عشر سنوات في بدايته. وأن تعيش في ظلال زوجها الكاتب «ست بيت» بمعنى الكلمة. وهو نموذج المرأة الذي اعتبره نجيب محفوظ تاجا على رأس جيله.
ولا يفوتنى التنويه والمقارنة بين (أنا وعطية الله) وبين (زوجة سقراط) الذي عانى الأمرين من زوجته «اكسانثيبي» سليطة اللسان، ناصحا بالزواج على أي حال. فإن ظفر المرء بزيجة طيبة فسوف ينعم بالسعادة، وإن كانت الزوجة شريرة فإن الزوج سيصبح فيلسوفا!.
كما كانت زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد تتمتع بعقل راجح جعل منها امرأة ذكية، كان زوجها الخليفة هارون الرشيد يعتد برأيها في جميع شؤون الدولة وكان ذلك نتيجة آرائها الراجحة ونظرتها الصائبة للأمور. وكانت زبيدة محبة بشكل كبير للعلوم والأدب، ولذلك كانت تهتم لأمر الشعراء والأدباء والعلماء وكانت تجمعهم من كل مكان، ومن أشهرهم أبو نواس والحسين بن الضحاك.
معاناة الشعراء و الادباء من الفقر و ضيق العيش ظاهرة معروفة طوال التاريخ العربي. كانوا لهذا السبب يقصدون الأمراء و الخلفاء بالمديح ليكسبوا منهم لقمة العيش. تاريخ الأدب العربي حاشد بهذه الحكايات. و في العصر الحديث عانوا بصورة خاصة من مشكلة طبع دواوينهم و نشر قصائدهم.
البؤس. العذاب. اليأس” هي العوامل التي صنعت أعظم الكُتاب: هل كان بإمكان كافكا أن يكتب “المسخ”، هل بإمكان فيرجينيا وولف أن تكتب “إلى المنارة”؟ لا. الحقيقة هي أن الأدب العظيم يحتاج إلى معاناة عظيمة”.
وبايجاز شديد قد تتعدد صور معاناة الأدباء واسبابها فالبعض يرى سبب تدهور الرواية العربية إلى تخلي الكثير من الدول بعالمنا العربي عن رعاية الأدب الحقيقي. كما أن البعد الاقتصادي يمثل عاملاً هاما في الأمر حيث أن تزايد معدلات الفقر تخرج الثقافة من اهتمامات المواطن العربي المتلقي للأدب. ويعاني الأديب العربي الحقيقي من التجاهل الإعلامي والمجتمعي وهذا اثر علي الحافز المعنوي لدي قطاعات كبيرة من الكتاب ، وتعد هشاشة النقد سبباً من أسباب تدهور الرواية العربية.
كلنا يعلم أن الشعر وظيفة لا يأخذ عليها الشاعر أجراً، لكن الشاعر إنسان، له شؤونه الحياتية واشتراطاتها المادية، وهي في عصرنا المادي الحالي ضاغطة وبشدة، والشاعر المبدع المتجرد من كل عروض الدنيا، الشغوف بشعره وتجربته يصبح ُغريباً في هذا العالم، وهو حييٌّ وذو نفس عالية وإباء لا يمد يده لأحد إلا إذا التفتنا له ولشؤونه الحياتية قبل أن نلتفت لشعره، فهل تحسسنا هذا الجانب في حياته؟.
أَدب السجون والمعتقلات هو من أصدق أنواع الكتابة، كتب فى أجواء من الألم والأمل ، وفى ظل المعاناة والصبر والتأمل. حيث أن المعاناة والألم مصدراً وحاضنة دافئة للعطاء والإبداع. عشرات بل مئات الشعراء الذين أُسِروا ، وكتبوا قصائدهم فى غياهب السجون ، كأبى فراس الحمداني ، والمتنبى ، وناظم الغزالي والشاعر تشيلى العظيم بابلو نيرودا ، والروائى الروسى ديستويفسكى فى روايته " منزل الأموات"
أبرز سمات أدب السجون تتمثل في التَّمَسُّك بالأرض، والتغني بالحرية، وحب الوطن، والالتزام والصدق المقاوم. ومن العوامل التى ساعدت أدب السجون للظهور دخول الكتب الأدبية للسجون وكذلك التلفاز. وبرزت محاولات لتأليف المسرحيات القصيرة ، والتى كانت تعرض فى الأمسيات الأسبوعية الترويحية ، أسهم فى ايجادها ونشطها انعدام وسائل التسلية ، والشعور بضرورة ايجاد وسائل ترفيهية ترويحية تزيل التوتر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق