بقلم/السيناريست عماد يوسف النشار
لايحتفظ جدار ذاكرتي المراوغة بذكرى خاصة للزلزال العنيف الذي ضرب المحروسة عام 1992 ، إلا مما تناولته وسائل الإعلام وقتها وركزت عليه من حدثين يعتبرا هما الأبرز ، ربما لضعف تأثيره على مدينتي التي أصابها بعض الهلع الذي لم يتجاوز الدقائق الخمس ، والذي اقتصر على المقيمين داخل المنازل والبنايات ، الذين هرعوا للشوارع ، ظناً منهم أن البنيات تنهار عليهم ، أو اسطوانة بوتجاز قد إنفجرت ، دقائق خمس تحولت فيها أبواب المنازل والبنايات لمضخات للبشر فاضت بهم الشوارع والطرقات وجرفوا معهم المارة الذين تسمروا في أماكنهم من هول سيل البشر الهادر بالصراخ والركض إلى حيث لايعلمون !
الكل يركض في كل إتجاه مع سؤال وحيد يتردد على ألسنة المارة "فيه إيه" ؟ ليأتي الرد عليه بإجابتين لاثالث لهما "البيت بيقع ، والأنبوبة أنفجرت" .
وفجأة توقف سيل الركض والصراخ عندما صاح فيهم أحد أصحاب المحال "الراديو بيقول زلزال" وأخذ يرددها ويذهب حيث المذياع الرابض فوق رفه الخشبي العتيق .
وبدأ السيل يغير من مساراته المجهولة ، والتف كالثعبان على المحال التي تربض فوق رفوفها الخشبية أجهزة مذياع وتلفاز ، وكل من يحمل خبر عن الزلزال.
هدأ روع الجميع عندما تأكدوا من الخبر ، وبدأ السيل في الإنحسار حتى جفت الشوارع والطرقات من ثمة أثر له ، وعلت أصوات أجهزة التلفاز التي ركزت على خبر قطع الرئيس مبارك رحلته للصين قبل أن يصل إليها بعد أن علم بخبر الزلزال في الطائرة التي أمر قائدها بالعودة للقاهرة فوراً ، أكثر من تركيزهم على الدمار الذي أحدثه الزلزال ، وأخذوا يعيدوا الخبر كل عشر دقائق وكأنه رئيس لدولة أخرى تأثر بكارثة الزلزال عندما علم بها وقرر العودة لمشاركة الشعب المصري "الشقيق" في مصابه الأليم ، وهذا هو الحدث الأول الأبرز ، بينما الثاني هو ماأعتبرته وسائل الإعلام وقتها بمثابة معجزة بعدما نجح المهندس الشاب أكثم سليمان في النجاة من الموت والصمود لمدة ثلاثة أيام دون طعام وشراب تحت أنقاض البناية التي يقطنها بحي مدينة نصر ، وتهافت المنتجين وصنّاع السينما لتحويل قصته لفيلم ، بل ذهب خيال بعضهم لإسناد بطولة الفيلم للمهندس أكثم ، بعدما إكتشفوا أنه يتمتع بوجه سينمائي ، وتسابقت وسائل الإعلام لعمل لقاءات معه ، ولم نسمع بعدها عن الفيلم السينمائي ولا عن المهندس أكثم ، الذي حظي إسمه "الجديد" على الأُذن المصرية بالرواج في سجلات المواليد الذين إذا بحثنا عنهم الآن سنجد كل "أكثم" فيهم إما مواليد الزلزال أو توابعه ، ببنما خلت سجلات المواليد وقتها من إسمي "مبارك" أو "ريختر"