هناك ثلاثة ملامح تميز مسيرة الشاعر مرسي جميل عزيز في رحلته مع الشعر الغنائي
1الملمح الأول /لم يرتبط الشاعر بمطرب أو مطربة معينة ولم يكون ثنائي كالذي كان بين أحمد رامي وأم كلثوم أو بين حسين السيد ومحمد عبد الوهاب أو بين عبد الرحمن الأبنودي ومحمد رشدي فهذه الثنائيات جعلت شهرة هؤلاء الشعراء مستمدة من شهرة المطربين الذين تغنوا بأشعارهم وحجبت الشهرة والتميز عن أعمال أخري قدمها هؤلاء الشعراء لمطربين ومطربات آخرين .
وبالنظر لأغاني مرسي جميل عزيز والتي تعدت 1000اغنية وغني له معظم أو جميع مطربي ومطربات الزمن الجميل منذ أول أغانيه يامزوق الورد في عوده لعبد العزيز محمود حتي اخر أغانيه من غير ليه التي تغني بها محمد عبد الوهاب في آخر حياته.
وباستعراض بعض من أشهر الأغاني التي كتبها الشاعر الراحل يتضح نجاح الشاعر مع العديد من المطربين والمطربات وكذلك مع مختلف الملحنين والمدارس الموسيقية وهو مالم يتحقق لشاعر أخر أن ينال النجاح والشهرة مع هذا الكم من الأصوات والألحان فعلي سبيل المثال لا الحصر تلك الأغاني
1يامزوق الورد في عوده لعبد العزيز محمود
2يامه القمر عالباب لفايزة احمد
3أنا باستناك لنجاة الصغيرة
4 اكدب عليك لوردة الجزائرية
5ياحبايبي ياغايبين لفريد الأطرش
6بتلوموني ليه والليالي لعبد الحليم حافظ
7الحلوة داير شباكها لمحرم فؤاد
8ياحلو صبح لمحمد قنديل
9سوف أحيا لفيروز
10وأخيرا ثلاثية ام كلثوم الرائعة
سيرة الحب -ألف ليلة وليلة -فات المعاد
وبالطبع هناك المزيد والمزيد من الأغاني والتي يضيق عنها المجال وتحتاج لعشرات المقالات وقد استوقفني هذا النجاح المدهش والملفت للنظر الذي حققه الشاعر مع كل هذه الأصوات والالحان المختلفة وهو في رأيي يعود لا الي موهبة الشاعر فحسب بل يعود إلي ما ستعرضه السطور القادمة من هذه الرؤية .
2الملمح الثاني /ويعود سر تميز الشاعر مرسي جميل عزيز ونجاح أغانيه من وجهة نظري أنه استفاد من دراسته للسيناريو والذي مارس كتابته لبعض الأفلام ليري في الأخير وقد انتهي من كتابة الأغنية صورة المطرب أو المطربة الذين يجب أن تذهب إليهم هذه الأغنية وأنهم القادرين علي توصيل المعني والاحساس الذي قصده من الأغنية وهذا الأمر ليس سر نجاح شاعرنا فقط بل هو أمر ربما لم ينتبه له باقي الشعراء والملحنين والمطربين والمطربات أنفسهم فكم من أغاني وألحان ذهبت الي من لم يحسنوا الأداء والتوصيل وربما لو كانت ذهبت لغيرهم لكانت افضل ونالت ماتستحق من الشهرة والذيوع وعلي سبيل المثال نري أن قصيدة لاتكذيي رغم طابعها الذكوري الذي يتطلب أداء مطرب قد غناها محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ولكنها لم تنجح وتشتهر الا بصوت نجاة الصغيرة
وكذلك لحن بقي عاوز تنساني لفريد الأطرش كان أداء سعاد محمد لنفس اللحن مقنعا ومدهشا بأكثر من أداء فريد الأطرش وكأن اللحن مرسوم عليها في حين أن سعاد محمد فشلت في أداء اغنية أنساك لأم كلثوم ولم تستطع أن تؤدي اللحن بإحساس أم كلثوم ولنا أن نقيس علي ذلك العديد من الأغاني والألحان والتي تحتاج إلي دراسة نقديةشعرية موسيقية مستفيضة تساعد في فهم وتفسير نجاحات واخفاقات ألحان بعينها لمطربين ومطربات .
3الملمح الثالث /لم يجانبنا الصواب إذا اقررنا بأن شاعرنا الكبير مرسي جميل عزيز قد أحدث تجديدا ونقلة نوعية في الأغنية المصرية ودخل بها منطقة جديدة لم تكن تعرفها من قبله وأعني بذلك مايمكن تسميته بالبناء الدرامي أو الخيط الدرامي المتصاعد داخل الأغنية .
فقد اعتمدت الاغنية علي وصف الحالة الشعورية سواء من الفرح أو الحزن أو حالة الحب وحالة الهجر والعتاب والمصالحة الخ لتدور الأغنية في فلك هذا الشعور من بدايتها حتي نهايتها وكأنها تعيد علي مسامع الجمهور هذه التيمات والأكليشيهات الجاهزة والتي حفظها الجمهور عن ظهر قلب ويستطيع التنبؤ بنهاية كلمات الأغنية فور استماعه للمذهب أو الكوبليه الأول .
الا أن الأمر يختلف تماما عند مرسي جميل عزيز فقد تعدي مرحلة الوصف الي مرحلة دراما الأغنية وتصاعد الخيط الدرامي وإبراز الصراع النفسي للتعبير عن الحالة أو التيمة التي يعرضها في أغنيته فعلي سبيل المثال لا الحصر ممكن قراءة هذه الدراما في رائعة فات المعاد التي تغنت بها كوكب الشرق من الحان عبقري الموسيقي بليغ حمدي.
1ينطلق الكوبليه الأول والذي يمثل بداية الحدث الدرامي من موقف العتاب الممهد للرجوع الي المحبوب وبيان حالة الهجر والخصام الطويل والتي يلعب فيها الزمن دورا كبيرا .
فات المعاد وبقينا بعاد بعاد بعاد
والنار النار بقت دخان ورماد
فات فات المعاد
2ليأتي الكوبليه الثاني علي طريقة الفلاش باك ويستعرض الأماني المنكسرة علي صخرة الهجر والخيانة والصدود فيقول
ياما كنت اتمني أقابلك بابتسامة
او بنظرة حب أو كلمة ملامة
3ويأتي الكوبليه الثالث والذي يمثل في رأيي ذروة الصراع النفسي والدرامي مستحضرا الحاضر الأليم الذي يعيشه المحبوب
الليل الليل
ودقة الساعات تصحي الليل
الليل وحرقة الأهات في عز الليل
وقسوة التنهيد
والوحدة والتسهيد
لسه ماهومشي بعيد
لتأتي بعد هذه المرارة وكنتيجة حتمية لحظة المواجهة المحتومة مع الحبيب العائد بعد زمن من الغدر والهجر والخصام فيقول
وعاوزنا نرجع زي زمان
قول للزمان ارجع يازمان
وهات لي قلب لاداب ولا حب
ولا انجرح ولا شاف حرمان
4وهنا تشابكت الخيوط الدرامية وتصاعد الحدث الدرامي وانتهت هذه المواجهة بطلب المستحيل من الحبيب الغادر وهو مالا يستطيع فعله ذلك الحبيب فمن يملك إعادة الزمن أو إعادة قلب غض نضر لفطرته الأولي .
فيأتي الكوبليه الأخير حاسما لهذا الاشتباك ويعطي التبرير والتفسير لما قبله ويجيب علي سؤالنا لماذا طلب المحبوب من حبيبه العائد هذا الطلب المستحيل فيقول
من ناري من ناري وطول لياليا من ناري
وفرحة العزال فيا
وقسوة الدنيا عليا
وقسوتك وانت حبيبي
وكأن هذه المعاناة وهذه القسوة من الدنيا والشامتين والتي زادها الحبيب بقسوته هي المبرر الموضوعي لهذا التحدي وهي المقدمة لنهاية هذا الجدل وهذا الصراع بين الحب والخيانة وبين الوصل والهجر ليعلن الشاعر في الأخير أنه لارجوع ولا تسامح مع من بدأ بالغدر والخيانة فتأتي الخاتمة ملخصة لكل الأحداث فيقول الشاعر
بيني وبينك هجر وغدر
وجرح في قلبي داريته
بيني وبينك ليل وفراق
وطريق انت اللي بديته
وعاوزنا نرجع زاي زمان
قول للزمان ارجع يازمان
وهات لي قلب لاداب ولا حب
ولا انجرح ولا شاف حرمان
فات المعاد فات فات المعاد
ومن هذا العرض يتضح الدور الذي لعبه الشاعر الكبير /مرسي جميل عزيز في تطوير الأغنية المصرية وإدخالها لمنطقة الدراما تلك المنطقة التي لم يقترب منها إلا الشاعر الكبير أحمد رامي في أغنية حيرت قلبي معاك
والشاعر الكبير عبد الوهاب محمد في أغنية اسأل روحك
ويجب التنبيه أن البنية الدرامية لأغاني مرسي جميل عزيز تختلف تمام الاختلاف عن أغنية القصة أو القصة الأغنية عند حسين السيد والتي قدمها في أغنية ساكن قصادي لنجاة الصغيرة وأغنية فاتت جنبنا لعبد الحليم حافظ .
كانت هذه رؤيتي المتواضعة وقراءتي لأشعار وأغاني عمنا فارس الأغنية وفكهاني الشعر مرسي جميل عزيز .
الشاعر يحي سلامه.