بقلم / على حزين
قالتْ له : مازحةً , والليل قد أرخى سدوله
وقد وضعا كلاً جنبهُ على السرير ليستريحا
بعد العشاء , وإثر أكلةٍ كانت مليحة
قالت له : في تصنعٍ وغنجٍ ودلالٍ
وقد استخفت الدَّم والظلَّ
زوجي الحبيب مساء الفل
ها هو الليل قد أقبل وأرخى سدوله
ونار الجوى أحرق مني المُهَجَ
والقلب أضناهُ شجونه
حبيبي الليلُ طويلٌ والشوق يقتلني
والعقلُ أجهدهُ تفكيره
ألا تراني الليلة مليحة
*
حبيبي تزينتُ لك , وتهيَّأتُ ,
فهيا نلهو ونلعب سويَّا ,
ونغنِّي ونرقص هيا , ونعيد ليالي الأُنس
بعلي الحبيب هيا نحيي الليل هيا
العهد الجميل عهدكَ
أنت من ربي هدية
أنا نارُ وأنت المية
أسأل ربي أن يعطيك الصحة والعافية
*
فضحك ولم يُبدي لها اعتراضاً
ومن شدة الإرهاق لم يرد جواباً
ثواني معدودةً لا تزيد
وقد استدعاه ـ من التعب الشديد ـ النوم الثقيل
فسلَّم له كل مفاتحه, والقفول
وراح يغُطُّ غطيطاً يُعوض شّقَاء اليومِ الطويل
وتركها مستيقظةً بجواره كحارس الحقول
*
فأردفتْ تقول: والصبر منها قَلّ
وفي الحلق غصةٌ ومرارةٌ وخَلّ
والعقل طار بعيداً عنها وولى , وفر , وفَلّ
زوجي مالي أراكَ ضعيفَ العزم , وبصركَ قَلّ ,
وكان بالأمس شديداً حديداً لا يفلّ ,
فأصبح اليوم وصار ضعيفاً خفيفاً
حتى صارتْ عيناكَ لا تراني من الكَلّ
ولم تعد ترى مني شيئاً جميلاً
ولا تأتي مني فرضاً ولا نفلاً
مالي أراكَ الليلة ثقيلَ الدم والظلّ
زوجي الحبيب هيت لك أنا زليخة طُلّ
زوجي الحبيب مساء الفل
*
وهزته هزةً عنيفةً من الغِلَّ
فنظر إليها وقد ضحك لها ضحكة خفيفة
فأكملت تقول: دون خجل
وقد اقتربت منه أكثر في وجل
وفي صوتها تكسُّرٍ ودلالٍ ودَلَهٍ ووَلَه
يا سِيْد الكُل , هذه رأس السنة
وكل عامٍ وأنت يا بعلي الحبيب أسد
ألا تراني الليلة مليحة
*
فلم يلتفت إليها وفي نومه راح يكمل
وهي أردفت بصوتٍ عذبٍ ضعيفٍ تُكمل
مالي أراكَ خبأتْ شُعلتكَ ومزاحُكَ قَلَّ
ألم ترني أمامكَ, أنظر لي, وعليَّ طُل
أم تُرى أنفكَ مزكومةً , ألا تشم الريحة
لا تنام الليلة بجواري بطيحة
هيا أرني الليلة منك طريحة
بعلي العزيز, هل أنا قبيحة
*
فالتفتَ إليها بعدما أفاق من سباته ,
ونظر إليها شذراً وضرب كفاً بكف
إثر هزة قوية منها من الأمام ,
ومن الخلف , ومن الكتف
كاد صوابه منها أن يطير
فقد كادت تُودي به صريعاً
ثم عاد إلى فراشه بعدما غمغم
وفي اللحاف استدار ولَفَّ
وفي الفراش التف والتحف
ولنومه راح يكمل
*
فأكملت تقول : إثر تنهيدةٍ طويلةٍ
وقد جَفَلَتْ ونفرتْ ونظرتْ إليه
وانقلبتْ وتحولتْ حتى كادت تفترسه
وهي تتـ فرسه في ذهول ,
ولما استيأست منه أبدت تقول :
والشرر يتطاير من عينيها والغضب
زوجي الحبيب: دمُّكَ صار مثل نومكَ ثقيل
أعلم يا زوجي العزيز , الليلة ,
إن لم أخذ حظي منك
سأسوّي لك في الصباح فضيحة
*
فانتفض قائماً من نومه مذعوراً
كمن لسعته أفعى, أو وقع عليه جبل
ثم حدق في وجهها برهة
وعيناه من التعب مكسورة
ينظر في ساعته ويتثائب
وهو يقول لها : في حنقٍ وضيقٍ
وتأففٍ وقرف , وزهق
اتركيني أنام ساعةً أو ساعتين يا قرة العين
ومعنا طول الليل , يا أم العيون الجميلة
يا حلوة يا قرة العين يا ظريفة
*
فواصلتْ حديثها وأخذتْ تكيل له وتكمل
وقد ملأها الغيظ والغضب والملل
ما عدت أفهمكْ , صرت لا أعرفك ,
ولا أعرف لك وجهاً من قفاً
كدتُ لا أراك من شدة هُزالك
وحين تُقبل أو تُدبر تصير شبحاً ليس له ظِلّ
مالي أراكَ قد علاك الشيْب
وصارت يداكَ بالخير شحيحة
أنا لا أذكر لك يا حبيبي يوماً جميلاً
لا حسنةً ولا دَالَّةٌ ولا حُلَّةُ, ولا خِلَّةُ , ولا حَلَّ
أغَشَاوَةٌ عَلَتْ عينيكَ أم سُحبْ النسيان
رحماكَ ربي رحماك أكُلُّ الرجالِ هذا وذاك ,
*
فقام من نومه واستدار عليها كأسدٍ مغوار
وزئر بصوته فأصاب زئيرهُ بداخلها زلزال
وأحدس في الغرفة دوار
فشعرت تحتها بهزة خفيفة
وقال لها : بصوتٍ عالٍ
أغربي عن وجهي الساعة يا غزال
ودعيني أنام الليلة يا أم العيال
ما عَهِدتُكِ كاليوم وقحة صريحة
وقد عاد لنومه تواً في الحال
بعدما أكمل لها المقال
دعيني الليلة أنام وفي الغد نكمل الفضيحة
*
فقالت : وهي تنعي حظها الهِباب
وتندب وتبكي على التجاهل والسِّباب
قالت : اعلم يا هذا إن قل جُهدكَ , أو مالكَ قل
أو ذهبتْ قواكَ , وخَبئَتْ جذوةَ حُبكَ في حشاكَ
وشابتْ حواجبكَ وغارتْ وجنتاكَ
وصرتَ شبحاً سمِجاً وكثر شخيرك وفساك
والشعر كالعرجون قد تدلَّى على حاجباك
أو قل جُهدك في الفراش وذاك
اعلم بأن زمانك وعهدك قد ولَّى
والشيطان قد حضر بيننا وأقام وحلَّى
وظهر وتجلَّى , وسحب للمزلة
*
فالتفت إليها وقال: وقد أفاق من نومه
سبحان من جمَّل الكمال بالنقصان
وسبحان من له الكمال ومن له الدوام ,
وسبحان من جعل لكِ في الإسلام الخلع حلْ
وحِلِّي عن سمائي الساعة قسماً وإلا
فقد بنتي ثلاثةً مني , لا رجعة فيها ,
ولا عقد, ولا ربطاً , ولا حلا
غوري أيتها الشمطاء ,
ودعيني أنام أيتها الحمقاء , غوريلا ,
أنتِ محسوبة على النساء اسماً ليس إلا
أنتِ صرت إنسانة سمجة مملة
*
وهنا ضحكتْ في وجهه مجاملة
وقالت له : مداهَنَةً , تداهِنُهُ
بعلى الحبيب فديتكَ النفس والعمرَ
ماذا تقول , أنا لا أقصد غير المزاح معك
المزاح وفقط ليس إلا
مالك لا تقبل مني دلالاً ولا مزاحاً
بعلي العزيز مالي أراكَ ثقيل الدَّم والظِلّ
إني أُمازحكَ عن حبٍ , كل هذا ليس إلا
فنم حبيبي وقَرَّ عينا , واهنئ بأحلامٍ سعيدة
سأغني لك الليلة أغنية مليحة
ولا عليكَ غداً نكمل أو بعد غد
تصبح على خير , حبيبي,
وليلتك سعيدة , ونام واتهنَّا
ولك , وليَّ , الجنة
**************
تمت مساء السبت 12 / 2 / 2022
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر