الأحد، 21 فبراير 2021

حوار الاديبة روعة محسن الدندن مع الشاعر القدير عبدالعزيز جويدة عن ( مدرسة الشعر الحديث )


 مَدرسة الشعر الحديث 

جمال الأسلوب وصدق المشاعر ورقة الأحاسيس ولين وسهولة المفردات وعمق المعاني يمنحان الشعر جمالا مختلفا 

والروح والقلب المنصهران بالرومانسية بمذاق الشهد وكأنها شلالاً على هيئة حروف وكلمات

كنت أبحث عن مقدمة علمية أو ثقافية لحواري مع الشاعر عبد العزيز جويدة لكني تراجعت بعد قراءة ردوده لإن أي مقدمة لن تكون مناسبة ولا طعم لها لما لمسته في ردوده التي تحمل الكثير من الصدق لواقعنا ولمعاناتنا جميعا كشعوب عربية

ليمحنا رؤيته من الجانب الإنساني ومساحة التمتع بفكره 

وأوجاع كل العشاق لأوطانهم


أدارت الحوار:

الإعلامية والأديبة السورية روعة محسن الدندن - مديرة مكتب سوريا للاتحاد الدولي للصحافة والاعلام الالكتروني -مديرة مكتب سوريا لجريدة تحيا مصر- ومستشارة تحرير جريدة أحداث الساعة


ضيف الحوار:

الشاعر المصري عبد العزيز جويدة 

من مواليد محافظة البحيرة ولد في 1 يناير-1961. حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة الإسكندرية في عام 1983

أصدر أول ديوان (لا تعشقيني )عام 1992 لتتوالى أعماله فيما بعد 


في بداية حوارنا دعني أرحب بك شاعرنا الكبير د.عبد العزيز جويدة وأشكرك على قبول دعوتي للحوار لنلتقي معك على طاولة حوارات روعة


*الشعر ذاكرة التاريخ فهل شعراء العصر الحديث هم فعلا ذاكرة عصرنا؟


كان الشعر ذاكرة التاريخ عندما كان الشعر هو الباب الوحيد الذي ندخل منه لذلك في بيئة لا تحتمل غير وجوده ولكن في عصرنا كل شيء تغير وأصبحت ذاكرة التاريخ في السوشيال ميديا وهي قادرة علي أن تنقل لك أحداث الدنيا كلها وأنت جالس في مكانك لذا مهما قلنا بالشعر عن ثورات الربيع العربي يأتي مقطع واحد علي اليوتيوب يفند كل هذا لأن الصوت والصورة المرئية ينقلان الحدث بمنتهي الدقة والاحترافية لذا قلت مرارا وتكرارا أن الشعر الذي كُتب في القضية الفلسطينة أصبح مهمشا بعد تهميش القضية وغدا ننساه كما سننسى القضية ويصبح جزء من التاريخ ليس إلا لذا محمود درويش وسميح القاسم وكل شعراء القضية الفلسطينية بعد مئة عام لن يبقى منهم شيئا وسيصبحون تراثا يضاف إلى ما فات من تراث لأننا أمة التراث كوننا لم نقدم شيئاً يذكر فنحن لا نضيف ولكن نتلقى فقط ونحن لا ننتج ولكن نستهلك فقط في كل مناحي الحياة لذا يبقي الشعر المتعلق بالعاطفة والإنسانية وهموم الوطن وتطلعات البشر إلى غد أفضل بعيدا عن العنتريات هو السبيل الوحيد لأن يبقى الشعر الحالم كصوت فيروز لأنه يلمس جذور إنسانيتنا بعيدا عن الحروب والصراعات والنعرات الكاذبة كم كلفتنا الحروب وماذا استفدنا منها لو أنفقنا ما أنفقناه على الحروب على العلم والبحث العلمي والفنون والآداب والموسيقى لأصبحنا في مقدمة دول العالم


*أحبك يا رسول الله تم اختيارها لتكون في المنهاج الدراسي لدولة الإمارات فهل تتوقع أن تكون خطوة لإنصاف الشعراء في زماننا من خلال اختيار أفضل القصائد لشعراء العرب؟


يبدو لي أن الشعر يمر بأزمة حقيقية لأن سقف الحريات في مجتمعاتنا منخفض للغاية كسقف المقابر لذا أصبح الشاعر في هذا الزمن يصرخ في وادي النمل لأن هذا المجتمع يتحدث عن الثقافة ولا يؤمن بها وكل الحكام العرب لا يؤمنون بالثقافة ولا يحبونها ولا يرحبون بها إلا إذا كانت لخدمتهم فالشعر العربي رثاء وهجاء وتفاخر ووصف للمعارك وعشق وسُكر وهيام ومديح ووصف للصحراء والليلة الظلماء وكان الشعراء يخدمون السلاطين والحكام لذا لم نرَ في عالمنا العربي شكسبير ولا بايرون ولا شيلي بمعني أننا لم نصل للعالمية شعرا رغم محاولات أدونيس ومن معه لأننا نريد أن نقلد الغرب في نماذج إبداعية لا تتفق مع الذوق العام لشعوبنا لذا فقد الشعر جمهوره وأصبحت الساحة الشعرية تشبه في التكدس والزحام ميدان الجيزة بمصرنا الحبيبة وقت انصرف الموظفين في شهر رمضان المعظم صياح ونواح وكر وفر وجدنا كل شيء ولم نجد الشعر لأننا في شبابنا كنا نبحث عن القصيدة بحثنا عن الخبز فالأفكار تجوع وعليك أن تختار ما تقدمه لها لأنها في ذروة جوعها ستلتهم أي شيء مهما كان رديئاً لذا تحتاج الساحة الشعرية إلى وقفة لأن الحابل اختلط بالنابل والمتابع لكل ما يُكتب سيجد نصفه سرقات والنصف الأخر تكهنات ليس به شعر ولا يحزنون وكما دخلنا حزام الفقر المائي دخلنا حزام الفقر الإبداعي لأن بطوننا شغلتنا عن كل فكر وكل ابتكار لأن تجويع الشعوب وسيلة مثلى لفرض السيطرة وقصيدتي في حب رسول الله وتدريسها في دولة الأمارات الشقيقة أمر جيد ليس لأنها لي ولكن هي فرصة لفرض الشعر الجيد دون تحيز له من أحد لأن الشللية في الإبداع أصابته بالشلل وفي مصر تحديدا لدينا الشلل في كل شيء لذا لم يعد عندنا أي شيء سوى صراعات أدبية من أجل الكراسي والمناصب والنفوذ والتكسب وضاع الشعر ضاع في أروقة ما نسميه جزافا وزارة الثقافة ولجنة الشعر وبيت الشعر وندوة الشعر آن الأوان نقول لمن لا يعرف أنت لا تعرف وإذا فهمت ذلك أرحتنا واسترحت الكل يريد أن يقول شعرا وهو يعلم أنه غير مؤهل لذلك ولكن من باب التجريب فينا مثل إصرار فريد شوقي على الغناء في فيلم بداية ونهاية وعندما اعترض الجمهور افتعل المشاجرة بمبدأ كرسي في الكلوب


*ما رأيك بخطة التي تدعو لتغيير المناهج وخاصة الشعر أم علينا الحفاظ على إرث شعراء الجاهلي والأموي والعباسي وبعدهم؟


المتنبي العظيم المولود 

(303هـ - 354هـ) (915م - 965م) له أبيات شعرية في غاية السهولة والبساطة ولدينا في عصرنا هذا من يؤمنون بالتنظير والتقعير في اللغة لدرجة أنك لا تفهمهم ولا هم يفهمون أنفسهم ويقولون لك علينا أن نكتب وعليك أن تجتهد في فهمنا حوار يشبه حوار الطرشان كلف الشعر وكلفنا هذه الهوة السحيقة بين الشاعر والمتلقي وبين الشعر وجمهوره وإن كان الشعر وسيلة سهلة لقول أشياء معقدة فلماذا نجتهد في التعقيد والتغريب والغموض والتوهان في الرمزية والإفراط فيها حد التفريط في جمال النص إذن كل النصوص السهلة الشيقة في كل عصور الشعر تصلح للتدريس والدراسة لأنها الأصل والاستغناء عنه جريمة لا تغتفر ويضاف إلى هذه النصوص كل ما هو جديد وعصري طالما يحمل نفس الجينات الشعرية العربية الأصيلة فلا تفريط في الشعر العربي الأصيل ولا تفريط في الخيول العربية الأصيلة ولكن من الذي ينتقي لنا الحقيقة أن الذي ينتقي موظف يعمل في وزارة التربية والتعليم وقد يكون الإحساس بجمال اللغة وروعتها ورونقها لديه معدوم فيختار بمبدأ حادي بادي كله زبادي وكله عند العرب صابون وتدور عملية التخريب في الصغار والكبار فنكره الشعر العربي والشعراء العرب ونلجأ إلي أغاني المهرجانات حيث الابتذال والسوقية والتدني والإحباط وللعلم فقط مصانع الشاي على مستوي العالم أغلى راتب فيها لفرد يطلق عليه المتذوق هو الذي يحدد جودة الشاي ونكهته المناسبة لكل شعب وإلا أغلقت هذه المصانع جراء تذوق خطأ من الشخص الخطأ 

من يتصور أن هذه الأبيات للمتنبي القادم من عصور سحيقة مضت 

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ

أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ

يَعلَمنَ ذاكِ وَما عَلِمتِ وَإِنَّما

أَولاكُما بِبُكى عَلَيهِ العاقِلُ

السهل الممتنع لذا سيبقى نزار قباني العظيم وبدر شاكر السياب العبقري وأمل دنقل المعجزة وصلاح عبدالصبور الرائد سيبقون ما بقت الحياة 

الخلاصة في القول كل عصور الشعر بها قمم وسفوح وعلينا أن نجمع من كل عصر أجمل أغانيه قصائده السهلة اللينة الهينة وندرسها للصغار والكبار مع كل ما هو حديث ونترك غرابة اللفظ واللغة والمعني في أشعار القدامى للدارسين والمؤرخين وأصحاب التخصص لأن هذا عملهم والفرق شاسع بين الدارس والمستمتع نريد أن يكون الشعر متعة حقيقة في القراءة والتناول والتجاوب وترك الأثر الطيب في النفوس نريد شعرا نحب أن نتذكره ونكتبه ونقرأه ونهديه إلى أحبتنا ونتغني به ونغنيه علي الطرقات وفي الشوارع والمقاهي والمصانع والغيطان شعرا يشبه الخبز والملح بيننا وبينه عِشرة لا تُنسى من لحظة معرفتنا به إلى أن نموت


*هل الشعر العربي مسجون لعدم ترجمته لعدة لغات وما السبب برأيك هل هو تقصير من وزارات الثقافية العربية أم عدم وجود من يقومون بترجمة أدبنا العربي للغرب؟


الشعر فقط هو المسجون 

الحقيقة المرة أن الشعوب العربية كلها مسجونة في هذا البلاء وهذا الإبتلاء الفقر والجهل والمرض والحروب والجري وراء لقمة العيش المرة مرارة الصبار والشاعر العربي إذا مرض حاليا فهو عاجز عن شراء الدواء الشاعر العربي حاليا يتسول لقمة عيشه وتريدون منه أن يغني يا الله يغني لمن لمجتمع خسارة فيه الغناء وإذا أردنا أن نترجم للعالم فعلينا أن نترجم للعالم أولا حالة الشاعر وفقره وذله وهوانه على الناس ونقول للغرب هل هذا الذي يكتبه شعرا أم نزيف على شكل حبر

مسابقة أمير الشعراء يتسابقون عليها ليس حبا في الشعر ولكنها وسيلة للكسب لأن حالة الشاعر في العالم العربي مزرية حد البكاء كيف نسجن البلبل في قفص ونقص ريشه ونمنع عنه الطعام ونطلب منه أن يغني 

وزارة الثقافة في البلاد العربية نوعا من الديكور والثقافة في البلاد العربية سلعة للترفيه غير مرغوب فيها ومن حظك التعس أن تولد عربيا لتقضي عمرك كله كفترة للعقوبة علي ذنب لم ترتكبه سوي أنك ولدت في بلاد العرب وللعلم ما هو أجر المترجم في بلاد العرب كي يقوم بهذا العمل الشاق ومن سيروج لنا هذا المنتج في بلاد الغرب معظم دواويني ترجمت إلى الإنجليزية ولكن ليس لهذا جدوى لأننا نفتقد تسويق أنفسنا لدى الغرب تلك هي القضية الحقيقة في بلادي إن لم نرفع من شأن الشاعر حد الكفاية في كل شيء ونرعاه رعاية حقيقة فلن نصل إلى شيء إلا تلك الاجتهادات الفردية كل حسب إمكاناته لذا يسقط الشعراء في هذا الوطن تباعا ولا يتذكرهم أحد فليس الأمر في التراجم ولا ذروة الأمر في التراحم


شكرا من القلب لشاعرنا الراقي عبد العزيز جويدة على ما منحه لنا 

لنكمل حوارنا معا في الأيام المقبلة

لكم منا كل الإحترام والتقدير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لبنان الصمود في سطور

  في كل مرة تعرض فيها لبنان لعدوان، كان يثبت للعالم أنه أرض الصمود والتحدي. من الغزوات والاحتلالات التاريخية إلى العدوان الحديث، كان الشعب ا...