(مابين الخامسة والخامسة والخمسين )
عندما كنتُ صغيراً في الخامسة من عمري كانت أمي تغسل ثيابنا على الغسالة العادية بعد الفجر وقبل طلوع الشمس
وكنت أنا أستيقظ على صوت الغسالة وهي تدور وكنت أستمتع بذلك الصوت وخاصةً في فصل الشتاء وعندما يكون البرد قارساً فأتدثر بالغطاء وألفه على جسدي الصغير لأستمتع بالدفء مع تلك الموسيقى العذبة التي تصدرها تلك الغسالة
فكان هذا المزيج الدافئ يجعلني أشعر بالطمأنينة
اليوم وبعد خمسين عاماً وقد أصبحتُ في الخامسة والخمسين من العمر أستمع إلى ذات الصوت الذي كان يمتعني وأنا صغير ولكن استماعي له اليوم بنكهةٍ أخرى لا يستجيب لها مزاجي المتبدل
فبفعل ظروف النزوح وعيشنا في مدينةٍ غير مدينتنا وفي بيتٍ لا أشعر بالانتماء إليه ولعدم وجود غسالة أوتوماتيكية فيه ولأن الكهرباء لا تأتي إلا في ساعةٍ محددة عند الفجر
فتقوم زوجتي مضطرةً بالغسيل عند الفجر
وها أنا أعود لسماع ذلك الضجيج وأنا نائم في فصل الشتاء القارس فأشعر بالبرد يتخلَّل إلى عظامي وأشعر بالخوف من المستقبل الذي ينتظرنا والذي يبشِّر بأيام أكثرُ سوءاً
صوت الغسالة اليوم أتذوَّقه أو أسمعه بنكهة التشرد والضياع
أرأيتم كيف تحوَّل نفس الصوت بعد خمسين عاماً من موسيقى عذبة إلى ما يشبه الضجيج
وكيف تحوَّل تأثيره من شعورٍ بالدفء إلى شعورٍ بالبرد الشديد.
وكيف تحول وقعه في نفسي من شعورٍ بالأمان إلى شعورٍ بالخوف
وكيف تبدلت نكهته من شعورٍ بالانتماء إلى احساسٍ بالتشرد والضياع
تلك هي النفس الانسانية ترى الأشياء بتأثيراتها الآنية وليس في حقائقها العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق