الخميس، 4 مارس 2021

ابتسم..بقلم الكاتب الكبير/,عبد الرحمان صديقي.الجزائر




كعادته، يوزع ابتسامته الحلوة، البريئة من كل تصنع. اهي عادته، ام طبيعته. لا يهم، الابتسامة اهم. 

حتى لو صادفك ليلا في شارع مظلم، سيبتسم لك! نعم لا تستغرب، سيبتسم لك ولو جئت تسلبه الفرح! 

ستخجل من ابتسامته.وتعتذر منه و ربما تتوسل العفو،لكنه سيبتسم لك و يعتذر هو منك،ولن يفارقك الخجل من نفسك،كلما تذكرت ابتسامته،او لاقيته وابتسم لك،حتى في منامك سيبتسم لك.

-كيف حالك؟تساءل جاره صاحب البقالة.

-بخير و الحمد لله. وابتسم!

لم يسمع منه يوما غيرها.او تذمر،او اشتكى من ضنك العيش،كما لم يطلب حاجته  منه  او من غيره او من اي كان!وربما بات بات ليله جائعا!

يعيش مع زوجته،بدون اولاد،لا احد يعرف ان كان العقم منه او منها.

خيٌرها ببن العيش معه،او تسريحها باحسان و معروف وابتسامة،لكنها رفضت.فابتسم لها!

يعمل حمالا، عمل يكسب منه القليل وكلما اتم عمله ودفعت له اجرته يمسكها ويبتسم. 

 لم يعترض يوما على مبلغها كثر او قل!

كل صباح يتوجه الى سوق المدينة،يفرغ بضائع التجار،او يشحنها.لا يلقي بالا لزملائه وهم يتلكؤون.البعض منهم يستغل صدقه و تفانيه في العمل فيتماطلون تاركين العبء الاكبر عليه،ويتعمدون التثاقل لربح دقاىق راحة،اما هو فلا يرتاح قبل ان يتم عمله،لكنه يجد راحته،و يبتسم لهم،ولا يشعرهم بانه مستاء من غشهم.

اذا رآه الصغار ركظوا نحوه،فيخرج من جيوبه الحلوى ويوزعها عليهم ويبتسم لهم.سنة لم يغيرها يوما،فللصغار حقهم المعلوم من اجرته يشتري لهم به الحلويات.ولا ينقص من حقهم ولا دينار حتى لو نقصت اجرته،حقهم ثابت لا ينقص منه فلس.

-اسرع الى بيتك،اسرع زوجتك تطلبك،يبدو انها مريضة

-لكني تركتها صباحا في صحة وعافية!

وانطلق ركظا.لا يلتفت لاحد،لا يبصر غير الطريق ولا شىء غيرها،اظلمت الدنيا في عينه.ماذا لو اصابها مكروه،ماذا سيفعل بدونها،كيف سيعيش،لم يخطر بباله يوما ان تغيب عنه،كانت مثله بلا اهل،كانت كل اهله،وكان هو اهلها.

الدقائق دهرا،والطريق سفرا! لاول مرة يحس ان المدينة كبيرة و مزدحمة شوارعها، و الاصوات والضجيج،والمطبات،والحفر،وهو وحيد،بلا سند،بلا اهل،بلا ولد!

دفع الباب بكل قوته،دخل الغرفة حيث كانت مستلقية و بصرها شاخص في السقف.لم تكلمه لكنها حاولت ان تبتسم له وسبقتها دمعة سالت على خدها،فكانت سهما اخترقه،ضمها قبلها،عانقها بحرارة وقوة

-مابك؟وغلبته دموعه.

خرج،يلتفت في كل تجاه،توجه لجاره صاحب البقالة،ترجاه ان يطلب الاسعاف،لم يكن عنده رصيد،توجه لغيره،طلب له الاسعاف،تاخروا في القدوم،ولما وصلوا كانت قد فارقت الحياة!

لاحظ برودهم ولا مبالاتهم به،وبها،كانوا يقلبونها كانها شاة،،لاول مرة يخرج عن طوع،انفجر،صاح فيهم،شتمهم،تعارك،مزق قميصه،بكى بحرقة كالاطفال،صارت  دنياه خواء.احس اليتم،صار يتيما.

يوم دفنها،دفن روحه معها، من يومهالم يبتسم  يومابعدها،كره الناس و فقره،وعوزه،وهوانه،لم يمشي في جنازتها غيره والامام وبعض الصبية،كل المدينة كانت في نظره عدوة،واهلها اعداء،من يومها صار عابس الوجه،قاطع طريق،لص،مجرم لم يسلم من بطشه الا الاطفال!

عبد الرحمان صديقي.الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لبنان الصمود في سطور

  في كل مرة تعرض فيها لبنان لعدوان، كان يثبت للعالم أنه أرض الصمود والتحدي. من الغزوات والاحتلالات التاريخية إلى العدوان الحديث، كان الشعب ا...