تعامد الشمس على معبد أبو سمبل
بقلم /دكتور قاسم ذكى
لعل أشهر ظاهرة فلكية صنعها المصري القديم قاطبة هي تعامد الشمس في معبد رمسيس الثاني (معبد أبو سمبل الكبير). حيث تتعامد (تشرق) الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني واثنين فقط من تماثيل الآلهة دون الثالث، داخل معبده المنحوت في الصخر بمدينة أبو سمبل السياحية جنوب محافظة أسوان بصعيد مصر، والواقع حاليا على الضفة اليسرى (الغربية) لبحيرة ناصر (نحو 1200 كم جنوب القاهرة و280 كم جنوب غرب مدينة أسوان، 40 كم شمال الحدود المصرية السودانية).
تتعاقب لحظات تعامد الشمس في ترتيب عجيب ومحسوب فلكيا وهندسيا بدقة متناهية، بدءا من اللحظة الأولي لملامسة أشعة الشمس للحافة العليا لواجه المعبد ثم ولوجها في جوفه (بعمق 60 مترا) حتى اختفائها من على وجوه التماثيل بعد 23 دقيقة. وتحدث تلك الظاهرة مرتين فقط كل عام (كما صممه بناة المعبد)، الأولى في 21 أكتوبر/تشرين الأول؛ أما الثانية ففي 21 فبراير/شباط). وبعد نقل المعبد من موقعه القديم هذا لإنقاذه من الغرق (1964-1968م) تحت مياه بحيرة ناصر مع إنشاء السد العالي، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر، ولكن يومي 22 أكتوبر/تشرين الأول و22 فبراير/ شباط من كل عام.
ومنذ إعادة اكتشاف هذا المعبد في العصر الحديث عام 1817م؛ تكررت ظاهرة تعامد الشمس على تماثيل الآلهة في غرفة قدس الأقداس مرتين سنويا. لكن يبدو هناك تساؤل منطقي، من هو أول من لاحظ تلك الظاهرة، وكيف تم له ذلك، وهي تحدث فقط مرتين في العام، لذا تحتاج لمن يتابع ويرصد ربما طوال العام؟ حتى يعرف أن هناك يومان فقط تسطع الشمس على وجوه التماثيل، لعله سؤال يحتاج لإجابة شافية واضحة (خاصة قبل اختراع تكنولوجيا الحاسبات الإليكترونية الحديثة، وغياب أي إشارة من بناة المعبد عن تلك الظاهرة).
تذكر اغلب المصادر عن ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني وبقية التماثيل أن مكتشفتها الأنسة "أميليا إدواردز" في العام 1874م والفريق المرافق لها ("أميليا آن بلانفورد إدواردز "(Amelia Ann Blanford Edwards) ؛ 17 يونيو 1831م ـ 15 أبريل 1892م)؛ وهي روائية وصحفية ورحالة وعالمة مصريات إنجليزية)، وقيل إنها سجلتها في كتابها المنشور عام 1877م (ألف ميل فوق النيل " A Thousand Miles Up the Nile")، والذى اعيد طبعة وترجمته لعدة لغات عشرات المرات ومازال يلقى رواجا كبيرا لجمال تعبيراته ووصفه للحياة المصرية المعاصرة (آئنذاك) وأيضا التراث المصري الحضاري القديم. ولنا اليوم ان نصوب هذا الخطأ الذي يقترب عمره من قرن ونصف من الزمان.
حيث سافرت "أميليا"
جنوبا من القاهرة في دهبية (باخرة نيلية) تُدعى "فيلة" استأجرتها ومجموعتها، .زاروا مدن وقرى وآثار صعيد مصر، حتي وصلوا إلى وادي حلفا شمال السودان، واستغرقت رحلتهم ستة أسابيع كاملة. وحين بهرهم معبد أبو سمبل مكثوا هناك 18 يوما (خلال الفترة من 31 يناير إلى 18 فبراير 1874م)، للكشف والتنقيب والتسجيل والرسم في رحاب المعبدين، وكانت خيمتها ملاصقة لتك التحفة الرائعة.
وقد أشارت "أميليا" في كتابها إشارة عابرة إلى هذه الظاهرة. لكن لم نعثر على أي نص صريح بأنها شاهدت بنفسها تلك الظاهرة في اليوم المحدد. بل عكس ذلك حين كتبت في موضعين مختلفين من كتابها أنهم غادروا قبل موعد شروق الشمس على الآلهة بثلاثة أيام؛ أولها حين ذكرت في بداية الفصل السادس عشر (النسخة المترجمة عربيا* ، ص 311) "وصلنا إلى أبى سنبل في ليلة الحادي والثلاثين من يناير، وغادرناها عند غروب شمس اليوم الثامن عشر من فبراير....الخ". وأكدت ذلك في الفقرة الثانية بالصفحة (385) من الفصل التاسع عشر لكتابها، حين قالت: (غادرنا معبد أبي سنبل عند شروق القمر في مساء يوم 18 فبراير....الخ). أي إنهم غادروا أبو سمبل بالكامل قُبيل موعد ظاهرة الشروق بثلاث ليال ويومين (حيث كان موعد الشروق أيامها مع بشائر صباح يوم 21 فبراير). كما راجعنا النسخة الإنجليزية الأصلية لكتابها، وتأكدنا من ذات المعلومات التي ذكرتها بمغادرتها ابو سمبل يوم 18 فبراير، علما بأن تلك كانت رحلتها الوحيدة لمصر المحروسة.
ورغم ما ذكرنا أعلاه، أن من اكتشف الظاهرة تحديدا غير معروف، وإن كانت "أيمليا" هي أول من أشار لتلك الظاهرة (دونما تحديد اليومين) -ربما تكون سمعتها هي من أهل المنطقة الذين عاشرتهم 14 يوما واستعانت بهم في علميات التنقيب هناك- لكنها حتما لم تشاهدها بنفسها كما أسلفنا.
لذا نأمل أن ينجح البحث عن المكتشف الحقيقي لتلك الظاهرة العجيبة، بدلا من ان تنسب للأنسة "أميليا" وهي انكرت تلك الواقعة في كتابها. وكم فيك يا حضارة مصر السرمدية من اسرار عجيبة تحتاج لقرون حتى تتكشف حقائقها، وكل عام وأنتم بخير.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق