تركت فراشي ونهضت،أستحث الخطى،وجفناي مثقفة بالنعاس،تشكوان سهر الليلة.
رمقني خالي،فهرع متجها نحوي هاتفا:أفرش الارض ورودا وفي عز النور أوقد الشموع.فالبدر للأعين لاح، يهدي البطل صراطا مستقيما.
اقتربت منه أكثر فأكثر،فوجدتني بين يديه،يهدهدني كطفل صغير يهوى الارجوحة،ويقلبني كيف يشاء.
وتقديرا له وحبا فيه،لم أرفض له طلبا،حين قدم لي قطعة خبز مدهون بجبن وكأس حليب ساخن.
تجرعته بمرارة لأن نفسي في ذلك الآن ،لم تعد تشتهي شيئا.
ساعة،ومضت،انصرف خالي إلى عمله،وبقينا نحن الأربعة.
جدتي بالمطبخ، أمي تفرغت لترتيب الغرف وتنظيفها،أما أنا فأخذت مكاني بجانب جدي.
وبمنتهى التدرج في الحديث،فإذا بي أراه يتحدث عن ماضيه،وجسامة المسؤولية التي تقلدها في ذلك الوقت،حيث كان من المهاجرين القدامى الذين غادروا الوطن،وكيف عاش واقع الغربة المريرة،لا يتواصل مع الاهل إلا عن طريق الرسائل التي تدوم شهرا أو أكثر،حسب المناطق والجهات،وكيف شاءت الاقدار ألا تعمر غربته طويلا،إثر وفاة أبيه.
فقرر عدم العودة إلى أرض المهجر،فتفرغ لخدمة الأرض التي ورثها عن أبيه،وكيف تزوج بجدتي ،المسيحية الديانة،رغم المعارضة الشديدة التي أبدتها والدته في أول الأمر.
لكن الحب الخالص الذي جمعهما،كان أقوى في إذابة المشاكل والخلافات،حين أعلنت إسلامها.
فكانت يا ولدي كما ترى،نعم الأخلاق الإنسانية،والصدر الحنون ،وذات موقف في السراء والضراء.
وسكت ،كمن يحن لماضيه وليلتقط أنفاسه.
قلت أستحثه على الكلام:كيف غادرت المزرعة لتسكن المدينة.؟!
أجاب غادرناها،بحكم عمل خالك هنا،وتفاديا للتنقل اليومي من المزرعة إلى المدينة،آثر بناء هذا المنزل.
والسبب الثاني،زواج أمك بالمرحوم،وسكت ولم يكمل الجملة،كأنه أشفق من حالي.
مر أسبوع كامل،ومع بداية أسبوع جديد،كان يومه راسخا حتى الآن في ذهني،لم أستطع تحرير تاريخ وقوعه من ذاكرتي حتى الآن،أبدت لي الأيام ما كنت أجهل،وألزمتني بمعرفة ما لم أكن أعلم.
بعدما أنهينا عشاءنا،صعدت السلم،وجلست على حافة سريري أتسلى بلعبتي المفضلة.وبعد وقت قصير، وضعتها في مكانها لأستسلم للنوم الذي بدأ يغازل أجفاني.
وضعت رأسي على الوسادة،وجذبت الغطاء.
مر وقت غير كثير،وإذا بهمس أصوات منخفضة تخترق زجاج النافذة،لتصل إلى مسمعي.
أرهفت السمع،حتى أتبين مصدرها أكثر فأكثر،لكن دون جدوى تذكر.
وقفت على أطراف أصابعي،اقتربت من النافذة،فهالني ما رأيت.أمي تتحدث بكل أريحية،وتضحك دون مبالاة مع عمي منتصر.
بقيت متسمرا في مكاني أتساءل:عم يتحدثان.؟! ألم يغادر المنزل بعد.؟!
بقيت أراقب المشهد باهتمام،وأتساءل دون الاهتداء إلى جواب شافي(شاف).
دقت ساعة الحائط الواحدة،لثم يدها وغادر،وعدت إلى سريري بحرارة عالية تلتهم رأسي،وتحرض النوم على جفائي،في انتظار بزوغ جديد،وما يحمله من أحداث فجائية،لم نضرب لها وقت موعد،وألف سؤال وسؤال يتزاحم،ويطرق ذاكرتي...
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق