.. لم يكن هذا المكان الذي وقع عليه إختيارنا أنا وصديقي (عصام) في أقصي يمين المقهي الذي إعتدنا الجلوس عليه كل مساء ، أفضل من مكاننا المفضل في أقصي الشمال ،
.. حيث وجدناه شاغرا تلك الليلة ، وحيث كان يجلس بالقرب منا رجلا غريب الأطوار ..(طويل وعريض المنكبين لا تعلم إن تخطي الستين من العمر أو لا ولكن يظهر عليه القوة المفرطة) !
.. إعتدنا أنا و صديقي الخوض في أحاديث كثيرة حيث كنا نتكلم في الدين والسياسة والفن وكل شئ ،
.. قال لي (عصام) وهو ينظر في وجهي الذي يظهر عليه الشحوب :
_ اللعنة يا (دامر) ، إزداد السواد تحت عينيك ، أنت تعاني من أرق شديد ، هل مازلت تري هذا الحلم ؟
_ إنه يطاردني يا صديقي فقد أصبحت آراه في اليقظة ..
_ آآآه ، لابد أن تذهب إلي طبيب ..
_ تعلم إنني لا أحب الأطباء إنهم يهولون الأمور ..
.. إبتسم (عصام) وقال :
_ أنت ترهق نفسك في العمل الشاق طوال النهار في الأتيليه وصنع التماثيل وفي السهر في المساء ، أنت بحاجة إلي أمراءة جميلة و مثيرة ..
.. ثم أشار إلي إمراءة شبه عارية تركب سيارتها في منتصف الشارع وقال :
_ مثل تلك المراءة ، حتي تخرجك من هذا الرتين اليومي ..
.. إبتسمت وقلت له ؛
_ تعلم أن النساء من حولي أشكالا وألوان ، ولكن من تستطيع أن تمتلك قلبي بعد تجربتي الفاشلة ؟
_ ومن قال إنها ستمتلك شئ ، إنني أتكلم عن بعض لحظات الأنس والفرفشة ..
.. وأثناء حديثنا نظر لنا الرجل المريب
وقال :
_ سبعون عاما أو أقل
وينتهي العالم ويزول
سبعون عاما بل أقل
وأنتم في غفلة وعتول ..
.. مما آثار إنتباهي بينما أثار الضحك الهستيري بالنسبة ل (عصام) الذي قال لي منبها بعد أن لاحظ عدم ضحكي معه وتركيزي الشديد في وجه الرجل :
_ ها... (دامر) ..
.. نظرت له بحدة وقلت :
_ ماذا ؟
_ لا تشغل بالك ، إنه رجل مجنون ..
_ لا اعتقد ذلك ، إنه غريب الأطوار ، لكن لا أظن إنه مجنون ..
.. ظل (عصام) يضحك بسخرية وقال :
_ إنه مهوس بموضوع نهاية العالم ..
.. فإبتسمت وقلت له :
_ تعالي نسأله ونري ..
.. ومن ثم نظرت للرجل وقلت له :
_ ماذا تقصد يارجل بقولك؟
.. قام الرجل وجلس معنا وقال :
_ أطلب لي بعض السندوتشات أولا أنا جائع ..
_ حسنا سأطلب لك ولكن....
.. قطع كلامي وقال :
_ السندوتشات أولا ..
.. ندهت علي عامل المقهي الذي أحضر له مجموعة من سندوتشات الكبدة والسجق ، ثم بدأ يلتهمهم كأنه لم يري الطعام منذ أيام وعندما إنتهي قال :
_ أطلب لي الشاي ،
.. الأمر الذي جعل (عصام) ينظر لي نظرة إستهجان وغضب ..
.. وبعد أول رشفة للرجل من الشاي بعد أن أخذ سيجارة من علبة سجائر (عصام) الذي إستشاط غيظا وأخذ علبته ووضعها في جيبه بسرعة حتي لا يتسلي عليها الرجل ..
.. نظر لي الرجل وقال :
_ ماذا تريد أن تعرف ؟
_ ماذا قصدت بقولك عن السبعون عاما ؟
_ الساعة. !
_ كيف علمت إنهم سبعون عاما أو أقل !!
.. أخذ الرجل نفسا عميقا من السيجارة وقال :
_ ما هو إسمك ؟
فقلت له :
_ ( دامر) ..
_ إنه أسم غريب علي مسمعي ، هل أنتم مسلمون؟
_ نعم ..
_ إذا سأخبرك من خلال كتاب الإسلام ..
_ حسنا .. هذا أفضل ..
_ الله سبحانه يذكر الميعاد في الكتاب ..
.. نظرت ل (عصام) في إندهاش وقلت للرجل :
_ كيف ذلك ؟ الكتاب يذكر إن علم الساعة عند الله عز وجل فقط لا أحد يعلمه سواه
_ نعم حفا .. الله وحده يعلم اليوم والساعة التي تقوم فيها القيامة ، ولكنه حدد الميقات ، وقت ذلك اليوم !
.. الإندهاش والتوتر ظهر عليا أنا و (عصام) ثم قلت للرجل:
_ إشرح لنا أرجوك..
_ حسنا ..
اولا قال سبحانه وتعالي:
( إن الساعة آتية أكاد أن أخفيها)
.. فأنه لم يخفيها بالكلية !!
وقال تعالي: (إن الأولون والآخرون لمجمعون لميقات يوما معلوم)
فميقات اليوم معلوم في الكتاب !!
.. فقلت له :
_ كيف ذلك إخبرنا قبل أن نتوه منك ؟
_ حسنا ،
لماذا سمي يوم القيامة بالساعة ؟
.. فقال (عصام) :
_ لأن الأمر سيكون سريعا لعله سيكون في ساعة واحدة و ينتهي كل شئ ..
.. فقال الرجل ضاحكا :
_ هههههه .. من أخبرك بذلك ، سيكون الأمر كلمح البصر !!
.. ثم قال بعد نظرات الدهشة بيني أنا و (عصام) ..:
_ الساعة مرتبطة (بالمسيح)
قال الله تعالي :
( لنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا)
وقال تعالي: (إنه علما للساعة)
.. خلق الله آدم من تراب بدون أب أو أم ولم يختلف أحدا عليه في ذلك فآدم هو أبو البشر ولا يعتبره أحد إنه إله .،
.. وعندما خلق (المسيح) خلقه الله من تراب ومن أم بدون أب ، ولكن الناس أختلفوا عليه ، فمنهم من قال :
إنه إبن الله ، ومن قال: إنه الله ، ومن قال: إنه ثالث ثلاثة !!!!
وكان قولهم هذا كفيل لقيام القيامة ، فقال الله تعالي:
(تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، أن دعوا للرحمن ولدا)
.. لذلك كان ميلاد (المسيح) علامة لنهاية البشرية و رحمة من الله للناس بأن منح لهم (ساعة واحدة) تبدأ من ميلاد (المسيح)
وقد أوشكت الساعة أن تنتهي
وأنتم جميعا في غفلة
صدقوني ....
.. إنفجر (عصام) في الضحك الهستيري وقال لي :
_ ألم أخبرك إنه مجنون ، ههههههههههههه،،،
.. فنظرت إلي (عصام) حتي إنتهي من الضحك ثم قلت للرجل :
_ حسنا .. لو أن هذا صحيح و أنا أشك في ذلك كيف حسبت مدة هذه الساعة ؟
.. نظر لي الرجل ثم قال:
_ نعلم أن يوم القيامة عند الله يساوي خمسون ألف عام فقال الله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)
وبحسبة بسيطة جدا سوف تقسم الخمسين ألف علي الأربعة وعشرون ساعة وستجد أن الساعة تساوي (ألفان وثلاثة وتمانون عاما وحوالي أربعة أشهر) يبدأون من ميلاد (المسيح) ..
.. فقلت له بعد أن حسبتها سريعا :
_ إذا تبقي حوالي ثلاثة وستون عاما تقريبا ..
.. فقال الرجل :
_ هذا إذا كان ميعاد ميلاد (المسيح) الذي نعلمه صحيحا ، وهو ليس كذالك ، ولكن بلا شك إننا في آخر قرن من الزمان وقد لا يكتمل هذا القرن ؛!!!!
.. ثم قام الرجل وهو يقول:
_ سبعون عاما أو أقل
وينتهي العالم ويزول
سبعون عاما بل أقل
وأنتم في غفلة وعتول ..
.. فقال (عصام) ولم يزل يضحك :
_ إنه مجنون ، هههههههه ،
ألم أخبرك إنه مهوس بنهاية العالم ، هل تتذكر الفتاة التي تنبأت بنهاية العالم منذ أكثر من عشرة سنوات ، إنه مخبول صدقني ..
... بينما بقيت صامتا وفي ذهول ،
_ اللعنة .. فقد كان الحلم الذي يأرقني كل ليلة ،، إنني آري الشمس تقترب من الأرض بشدة ثم ينهار العالم من حولي ،،
فقمت بسرعة أجري خلف الرجل ،،،
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق