حصري
عالم فيروسات يروي قصة تاريخ أدوية كورونا
حوار/جرجس نظير
عالم فيروسات مصري حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج البريطانية العريقة.
عمل باحثا في أكبر المراكز البحثية الأمريكية كمعاهد بحوث الصحة القومية الأمريكية ومعهد ماستشوسيتس للتكنولوجيا.
وحاليا هو باحث رئيسي في شركة ميكروبيوتيكس بالولايات المتحدة الأمريكية يقود العديد من المشروعات البحثية لابتكار وتطوير أدوية جديدة مضادة للفيروسات. وبالتعاون مع ابنه أدهم أنشا قناة VirolVlog على منصة اليوتيوب عن الفيروسات باللغة العربية هي الأولى في نوعها وفحواها، يقدم أسلوبا علميا راقيا يناسب المشاهد العادي كما يصلح للعالم الأكاديمي المتخصص، حيث يمزج بين البساطة والعمق والجدية والمرح هو الدكتور إسلام حسين ....ويسعدنا أن يكون ضيفنا
حوار/جرجس نظير
-الواقع العلمي يؤكد أنَّ اكتشاف دواء جديد ليس أمرًا يسيرًا
-السياسيون يرغبون في تهدئة الشعوب على حساب المنهج العلمي
FDA -لها دورٌ كبيرٌ في تنظيم حركة الدواء وتسويقه، وتحجم الجشع التجاري في مجال الأدوية
-نحن في مرحلة تفاؤل حريص، فالنتائج مشجعة، لكنها ليست ممتازة.
-نؤكد أنَّ التعايش لا بد أنْ يكون له ضوابط وإجراءات احترازية.
-أريد من الجميع الاهتمام بطرق الوقاية والحرص عمومًا وتطهير الأماكن والأيدي طيلة الوقت
العالم كله يترقب كل جديد في ساحة البحث العلمي الخاص بمرض (كوفيد19)- كورونا، نريد من سيادتكم التعرف على قصة تطور علاجات فيروس كورونا وما هي أحدث الأبحاث؟
- عندما بدأ الوباء لم يكن لدينا علاج مخصصلــ(كوفيد19)، كل الأدوية التي ذُكِرت في الصحف كانت موجودة سابقًا لأهدافٍ أخرى، ولكننا اتخذنا مبدأ إعادة التوجيه repurposing.
لأن الواقع العلمي يؤكد أنَّ اكتشاف دواء جديد ليس أمرًا يسيرًا، بل يتطلب سنوات عديدة من البحث والتجارب المعملية، بدءًا من اكتشافه وحتى وصوله إلى أنامل البشر، وهذه رحلة طويلة ليس لدينا متسعٌ من الوقت للقيام بها، أو رفاهية الانتظار، فنحن مثل حصان يجري في ملعبٍ أرضه غير مستوية ولجامه الوقت، فنحن نحاول أنْ ننقذ الأرواح قدر الإمكان، فالحل الأسرع والمنطقي البحث عن دواء موجود و آمِنْ يحل المشكلة ولا يعقدها.
وأول ما طرقنا بابه هو دواء هيدروكسي كلوروكين، وهو دواء قديم ظهر في أربعينيات القرن الماضي ويستخدم لعلاج الملاريا مع العلم إنه مرض طفيلي وليس فيروسيًّا.
من أين جاءت فكرة تأثير هيدروكسي كلوروكين على مرضى كورونا؟
- جاءت مع ظهور فيروس سارس في الصين عام 2002، أُجريت كثير من الأبحاث المعملية آنذاك على الكثير من العقاقير ووجدوا أنَّ الهيدروكسي كلوروكين له تأثير مضاد لفيروس سارس1 معمليًّا -فنحن نجري التجارب المعملية في بداية الأمر قبل المراحل التالية– وعند ظهور كورونا في ديسمبر الماضي، بحثنا عن أي شيء يكون له تأثير بحيث يكون قريبًا جدًّا من الفيروس المسبب، ونحن نعلم أنَّ سارس 2 من العائلة الفيروسية نفسها، مع العلم أنَّ كل التجارب المعملية أثبتت فاعليته، إلا أنه على أرض الواقع والتجارب السريرية التي أُجريت في كل من الصين وأمريكا لم يحقق نجاحًا ولم تكن النتائج مشجعة ولم تأتِ بالأثار المرجوة، لكن التمسك بشعاع من الأمل وسهولة توفر الدواء دفع البعض للترويج له، لا سيما إنَّ براءة الاختراع منتهية، مما جعله أملًا متاحًا لجميع البلاد.
لا سيما تصريحات الرئيس الأمريكي كانت تحمل الاطمئنان لشعبه؟!
فعلًا قال عنه سيغير اللعبة، ولكن هذه التصريحات خرجت من الباب السياسي وليس من الباب العلمي، فالسياسيون يرغبون في تهدئة الشعوب على حساب المنهج العلمي، لكننا نريد أنْ نوجه الناس إلى الحقائق العلمية، وللأسف قصة الكلوروكين تحوي جانبًا مأساويًّا؛ لأنه كان باكورة الآمال وأخذ مساحة ثم تضاءل وآل إلى لا شيء.
وماذا عن دواء أفيجان؟
الأفيجان دواء طُوِّر في اليابان، ولاقى اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا، وأحدث صخبًا واسعًا وقيل إنَّ اليابان منحته لبلدان أخرى لتجربته دون مقابل، مع العلم أنَّ الأفيجان مُوافَق عليه من قِبَل الأجهزة الرقابية على الدواء في اليابان فقط لعلاج الأنفلونزا.
هل خضع لأبحاثٍ؟
- كل دولة لها فريق أو هيئة مسؤولة عن اختبارات الأدوية قبل استخدامها.
وهل لا بد أنْ يكون لـFDA دورًا في ذلك؟
- يقينا، لها دورٌ كبيرٌ في تنظيم حركة الدواء وتسويقه، وتحجم الجشع التجاري في مجال الأدوية، أضف إلى هذا غالبية الأدوية تنتجها وتطورها شركات أمريكية.
وماذا عن تأثير الأفيجان؟
مضاد للفيروسات ويستخدم في علاج الأنفلونزا، ووجدوا أنَّ له تأثيرًا واسع المجال نسبيًّا، وهذا من النادر أنْ نجده، بخلاف الأدوية التقليدية التي تعمل في نطاق محدد، فالأفيجان يستهدف أكثر من عائلة من الفيروسات. لذلك شجع الأطباء على تجربته على مرضى كورونا، وبالفعل جرب في البداية بشكل محدود على بعض المرضى في الصين لكن دون استخدام ضوابط العلمية المتبعة في التجارب حتى نتحقق من النتائج.
بمعنى؟
اِفترض جدلًا أنَّ طبيبًا اختبر دواءً على أحد مرضاه في عيادته الخاصة ونجح الدواء وشفي المريض، وأعلن ذلك، هل نستطيع أنْ نجزم أنَّ دواءه فعَّالٌ.
- علميًّا لا.
- لماذا؟
"لا نستطيع أنْ نستأنس" رأى هذا الطبيب أنَّ الدواء لا بد أنْ يختبر بطريقة علمية حتى يتم التأكد والتعميم بشكل واسع، يقرن إلى هذا لا بد أنْ نكون على دراية تامة بالآثار الجانبية لمثل هذه الأدوية ومحاذير الاستخدام، فلا يصح أنْ نقول: إذا لم ينفع لا يضر!
الميديا الأمريكية كان لها باع في الحديث عن طوق نجاة تمثل في دواء "ريمديسفير" ماذا عنه؟
هو الدواء الثالث من حيث التسلسل التاريخي على الساحة وآخرهم في تسليط الأضواء، وهو من إنتاج وتطوير شركة أمريكية تُدعى Gilead Sciences""
- "وبالمناسبة هي الشركة نفسها التي أنتجت سوفالدي"، و ريمديسفير عقار غير موافق عليه من FDA وكان يطوّر بهدف علاج فيروس إيبولا، وتم اختباره في تجربة حدثت في أثناء وباء إيبولا في العام الماضي بإفريقيا، وعصفت النتائج بأحلام شركة جيلياد؛ حيث تكبدوا الكثير من الأعباء المادية، فكانوا ينتظرون المقابل نظير تكلفتهم الفادحة، وتم اختباره على حيوانات التجارب المصابة بفيروس ميرس –الذي ظهر في الجزيرة العربية وهو من نفس عائلة كوفيد 19- وكان له تأثير جيد، فبدأ اختباره على بعض حالات مرضى كورونا، لكن المشكلة التي تواجهنا حاليًّا هي قلة التجارب السريرية، وهذا يجعل الصورة ضبابية أمامنا، لأننا ليس لدينا يقين بفاعلية الدواء،فإنْ شُفي مريض تطرح أمامنا فرضية شفائه تلقائيًّا؛ لأن مرضى كوفيد 19 أكثر من 80% يشفون تلقائيًّا، ولا سبيل أمامنا إلا إجراء التجارب السريرية العلمية المنضبطة، وللأسف يتطلب الكثير من الوقت.
ما الذي جعل دكتور أنطوني فاوتشي يصرح أنَّ دواء "ريمديسفير" هو العلاج القادم؟
حتى هذا التوقيت، الريمديسفير مر بثلاث تجارب مقبولة إلى حد ما، الأولى في الصين وكانت على عدد محدود من المرضى ولم تبشر بالخير، الثانية أجرتها شركة جيلياد الأمريكية حيث قارنت بين جرعتين ولم يكن هناك "Control Group" أي الذي نقارن به التأثير الفعال للدواء، وبناء التجربة لم يكن على المستوى العلمي المطلوب؛ لذلك جاءت النتائج واهية.حتى الشركة صرحت أنَّ النتائج لم تكن حاسمة. أما التجربة الثالثة فلم تُنشر في دوريات علمية محكمة، إنما نُشرت في بيان صحفي من الشركة وهي التي تحدث عنها فاوتشي.
هل نستطيع أنْ نتفاءل خيرًا؟
أولًا، نحن في مرحلة تفاؤل حريص، فالنتائج مشجعة، لكنها ليست ممتازة.
ينبغي أنْ نتحدث علميًّا، هناك أدوية تأثير علاجها جيد جدًّا ويظهر بوضوح حقيقي، والآخر يكون له تأثير معقول وليس فائقًا أو جليًّا، وتجربة ريمديسفير الذي تحدث عنها فاوتشي غير جازمة، فهناك تحسن في الأعراض وليس شفاء كاملًا أو واضحًا، وقلة مدة بقاء المريض داخل المستشفى أقل من المعتاد بأربعة أيام لا تعتبر إنجازًا كبيرًا.
- كباحث في مجال الفيروسات، كيف ترى فكرة التعايش مع الفيروس من ناحية إمكانية حدوث هذا؟
- كل الدول وليست مصر فقط تحاول حماية اقتصادها من الانهيار فليس أمامنا إلا التباعد، وإجراءات الحماية قدر المستطاع، وعلى الصعيد الآخر لا أستطيع أنْ أقول لعامل بسيط بالمعنى المصري "أرزقي": اجلس في منزلك ولا تخرج حتى انتهاء الفيروس وليس معي وسادة حريرية لك، ونحن نعلم طبيعة الحياة الاقتصادية للبسطاء. ولكن نؤكد أنَّ التعايش لا بد أنْ يكون له ضوابط وإجراءات احترازية.
- هل تختلف جينات الشعوب عن بعضها في استقبال الأمراض والعدوى؟
- بالطبع لا، المرض يرتبط بالاستجابة المناعية للأفراد، وليس لدينا أي أدلة علمية تؤكد أنَّ هناك اختلافًا في الاستجابة المناعية باختلاف الجينات أو الأجناس أو الأعراق بين الأشخاص في مجابهة المرض أو العدوى، وقصة تحصين السل البي سي جي لم تثبت حتى الآن، وليس لدينا ما يحدو بالناس إلى التعامل باستهتار.
- هواجس الخوف من فيروس كورونا لم ترحم الأصحاء بل شملت المصابين أيضًا، فهل يصاب المتعافي من كورونا مرة أخرى؟
- فكرة إصابة شخص ثم شفائه ثم إصابته مرة أخرى بعد أسبوعين أو أكثر غير خاضعة للمنطق العلمي.
- ما السبب؟
- لأن الأجسام المناعية التي تتكون في جسم المريض تمكث فترة قد تصل إلى سنوات طويلة. وقد تصل إلى مدى الحياة، ومعلوماتنا عن الجهاز المناعي تؤكد ذلك.
أما ما يطرح في ساحة الفضاء الإلكتروني من أخبار فحواها إصابة المتعافين، فله عدة تفسيرات علمية ربما الشخص لم يُشفَ تمامًا، وهنا لا أقصد بقاء الأعراض إنما أقصد بقاء الفيروس في الجسم، فقد تصل فترة بقاء الفيروس إلى 37 يومًا.
والتفسير الآخر الذي يحدث كثيرًا أنَّ نتائج الاختبارات التي تحدث أمامنا وتعطي نتائج بشفاء للمرضى تحوي أخطاء نسميه "False negative".
لا سيما إنه في المرحلة الأخيرة من المرض كمية الفيروس تكون قليلة، وحساسية الاختبار ليست على درجة عالية للكشف عنها، وهذا ما يفسر تضارب النتائج بين الإيجابي والسلبي في هذه الأوقات في حياة المريض، وهذا أثبت ونُشر في كثير من المجلات العلمية المحكمة، كما يضاف إلى هذا التجارب التي أُجريت على القرود المصابة بكوفيد 19، وتؤكد وجود استجابة مناعية، وبالتأكيد هذا الموضوع سيُلقى عليه الضوء أكثر في الأيام القادمة.
- وماذا عن فترة حياة الفيروس على الأسطح؟
- أحدث الدراسات العلمية قالت: يوم على الأسطح الكرتونية ويومان على الأسطح المعدنية وثلاثة أيام على الأسطح البلاستيكية، وكل هذا يخرج علينا في ظل ظروف تجريبية تحاكي الواقع ولكنها تحت ظروف معملية.
- بمعنى؟
- قد تختلف الظروف البيئية وعواملها على مدة هذه الأوقات، لكننا نتحدث في المتوسط.
أنا مستغرب جدًّا من اهتمام الناس الزائد بقصة حياة الفيروس على الأسطح، أنا أريد من الجميع الاهتمام بطرق الوقاية والحرص عمومًا وتطهير الأماكن والأيدي طيلة الوقت، وتطبيق فكرة التباعد أكثر من الاهتمام بذلك. كن حذرًا، تتبع كل الإجراءات الاحترازية بكل دقة واهتمام، فنحن أمام فيروس ينتشر بشكل كبير لم يحدث مثله في تاريخ البشرية.
عالم فيروسات يروي قصة تاريخ أدوية كورونا
حوار/جرجس نظير
عالم فيروسات مصري حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج البريطانية العريقة.
عمل باحثا في أكبر المراكز البحثية الأمريكية كمعاهد بحوث الصحة القومية الأمريكية ومعهد ماستشوسيتس للتكنولوجيا.
وحاليا هو باحث رئيسي في شركة ميكروبيوتيكس بالولايات المتحدة الأمريكية يقود العديد من المشروعات البحثية لابتكار وتطوير أدوية جديدة مضادة للفيروسات. وبالتعاون مع ابنه أدهم أنشا قناة VirolVlog على منصة اليوتيوب عن الفيروسات باللغة العربية هي الأولى في نوعها وفحواها، يقدم أسلوبا علميا راقيا يناسب المشاهد العادي كما يصلح للعالم الأكاديمي المتخصص، حيث يمزج بين البساطة والعمق والجدية والمرح هو الدكتور إسلام حسين ....ويسعدنا أن يكون ضيفنا
حوار/جرجس نظير
-الواقع العلمي يؤكد أنَّ اكتشاف دواء جديد ليس أمرًا يسيرًا
-السياسيون يرغبون في تهدئة الشعوب على حساب المنهج العلمي
FDA -لها دورٌ كبيرٌ في تنظيم حركة الدواء وتسويقه، وتحجم الجشع التجاري في مجال الأدوية
-نحن في مرحلة تفاؤل حريص، فالنتائج مشجعة، لكنها ليست ممتازة.
-نؤكد أنَّ التعايش لا بد أنْ يكون له ضوابط وإجراءات احترازية.
-أريد من الجميع الاهتمام بطرق الوقاية والحرص عمومًا وتطهير الأماكن والأيدي طيلة الوقت
العالم كله يترقب كل جديد في ساحة البحث العلمي الخاص بمرض (كوفيد19)- كورونا، نريد من سيادتكم التعرف على قصة تطور علاجات فيروس كورونا وما هي أحدث الأبحاث؟
- عندما بدأ الوباء لم يكن لدينا علاج مخصصلــ(كوفيد19)، كل الأدوية التي ذُكِرت في الصحف كانت موجودة سابقًا لأهدافٍ أخرى، ولكننا اتخذنا مبدأ إعادة التوجيه repurposing.
لأن الواقع العلمي يؤكد أنَّ اكتشاف دواء جديد ليس أمرًا يسيرًا، بل يتطلب سنوات عديدة من البحث والتجارب المعملية، بدءًا من اكتشافه وحتى وصوله إلى أنامل البشر، وهذه رحلة طويلة ليس لدينا متسعٌ من الوقت للقيام بها، أو رفاهية الانتظار، فنحن مثل حصان يجري في ملعبٍ أرضه غير مستوية ولجامه الوقت، فنحن نحاول أنْ ننقذ الأرواح قدر الإمكان، فالحل الأسرع والمنطقي البحث عن دواء موجود و آمِنْ يحل المشكلة ولا يعقدها.
وأول ما طرقنا بابه هو دواء هيدروكسي كلوروكين، وهو دواء قديم ظهر في أربعينيات القرن الماضي ويستخدم لعلاج الملاريا مع العلم إنه مرض طفيلي وليس فيروسيًّا.
من أين جاءت فكرة تأثير هيدروكسي كلوروكين على مرضى كورونا؟
- جاءت مع ظهور فيروس سارس في الصين عام 2002، أُجريت كثير من الأبحاث المعملية آنذاك على الكثير من العقاقير ووجدوا أنَّ الهيدروكسي كلوروكين له تأثير مضاد لفيروس سارس1 معمليًّا -فنحن نجري التجارب المعملية في بداية الأمر قبل المراحل التالية– وعند ظهور كورونا في ديسمبر الماضي، بحثنا عن أي شيء يكون له تأثير بحيث يكون قريبًا جدًّا من الفيروس المسبب، ونحن نعلم أنَّ سارس 2 من العائلة الفيروسية نفسها، مع العلم أنَّ كل التجارب المعملية أثبتت فاعليته، إلا أنه على أرض الواقع والتجارب السريرية التي أُجريت في كل من الصين وأمريكا لم يحقق نجاحًا ولم تكن النتائج مشجعة ولم تأتِ بالأثار المرجوة، لكن التمسك بشعاع من الأمل وسهولة توفر الدواء دفع البعض للترويج له، لا سيما إنَّ براءة الاختراع منتهية، مما جعله أملًا متاحًا لجميع البلاد.
لا سيما تصريحات الرئيس الأمريكي كانت تحمل الاطمئنان لشعبه؟!
فعلًا قال عنه سيغير اللعبة، ولكن هذه التصريحات خرجت من الباب السياسي وليس من الباب العلمي، فالسياسيون يرغبون في تهدئة الشعوب على حساب المنهج العلمي، لكننا نريد أنْ نوجه الناس إلى الحقائق العلمية، وللأسف قصة الكلوروكين تحوي جانبًا مأساويًّا؛ لأنه كان باكورة الآمال وأخذ مساحة ثم تضاءل وآل إلى لا شيء.
وماذا عن دواء أفيجان؟
الأفيجان دواء طُوِّر في اليابان، ولاقى اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا، وأحدث صخبًا واسعًا وقيل إنَّ اليابان منحته لبلدان أخرى لتجربته دون مقابل، مع العلم أنَّ الأفيجان مُوافَق عليه من قِبَل الأجهزة الرقابية على الدواء في اليابان فقط لعلاج الأنفلونزا.
هل خضع لأبحاثٍ؟
- كل دولة لها فريق أو هيئة مسؤولة عن اختبارات الأدوية قبل استخدامها.
وهل لا بد أنْ يكون لـFDA دورًا في ذلك؟
- يقينا، لها دورٌ كبيرٌ في تنظيم حركة الدواء وتسويقه، وتحجم الجشع التجاري في مجال الأدوية، أضف إلى هذا غالبية الأدوية تنتجها وتطورها شركات أمريكية.
وماذا عن تأثير الأفيجان؟
مضاد للفيروسات ويستخدم في علاج الأنفلونزا، ووجدوا أنَّ له تأثيرًا واسع المجال نسبيًّا، وهذا من النادر أنْ نجده، بخلاف الأدوية التقليدية التي تعمل في نطاق محدد، فالأفيجان يستهدف أكثر من عائلة من الفيروسات. لذلك شجع الأطباء على تجربته على مرضى كورونا، وبالفعل جرب في البداية بشكل محدود على بعض المرضى في الصين لكن دون استخدام ضوابط العلمية المتبعة في التجارب حتى نتحقق من النتائج.
بمعنى؟
اِفترض جدلًا أنَّ طبيبًا اختبر دواءً على أحد مرضاه في عيادته الخاصة ونجح الدواء وشفي المريض، وأعلن ذلك، هل نستطيع أنْ نجزم أنَّ دواءه فعَّالٌ.
- علميًّا لا.
- لماذا؟
"لا نستطيع أنْ نستأنس" رأى هذا الطبيب أنَّ الدواء لا بد أنْ يختبر بطريقة علمية حتى يتم التأكد والتعميم بشكل واسع، يقرن إلى هذا لا بد أنْ نكون على دراية تامة بالآثار الجانبية لمثل هذه الأدوية ومحاذير الاستخدام، فلا يصح أنْ نقول: إذا لم ينفع لا يضر!
الميديا الأمريكية كان لها باع في الحديث عن طوق نجاة تمثل في دواء "ريمديسفير" ماذا عنه؟
هو الدواء الثالث من حيث التسلسل التاريخي على الساحة وآخرهم في تسليط الأضواء، وهو من إنتاج وتطوير شركة أمريكية تُدعى Gilead Sciences""
- "وبالمناسبة هي الشركة نفسها التي أنتجت سوفالدي"، و ريمديسفير عقار غير موافق عليه من FDA وكان يطوّر بهدف علاج فيروس إيبولا، وتم اختباره في تجربة حدثت في أثناء وباء إيبولا في العام الماضي بإفريقيا، وعصفت النتائج بأحلام شركة جيلياد؛ حيث تكبدوا الكثير من الأعباء المادية، فكانوا ينتظرون المقابل نظير تكلفتهم الفادحة، وتم اختباره على حيوانات التجارب المصابة بفيروس ميرس –الذي ظهر في الجزيرة العربية وهو من نفس عائلة كوفيد 19- وكان له تأثير جيد، فبدأ اختباره على بعض حالات مرضى كورونا، لكن المشكلة التي تواجهنا حاليًّا هي قلة التجارب السريرية، وهذا يجعل الصورة ضبابية أمامنا، لأننا ليس لدينا يقين بفاعلية الدواء،فإنْ شُفي مريض تطرح أمامنا فرضية شفائه تلقائيًّا؛ لأن مرضى كوفيد 19 أكثر من 80% يشفون تلقائيًّا، ولا سبيل أمامنا إلا إجراء التجارب السريرية العلمية المنضبطة، وللأسف يتطلب الكثير من الوقت.
ما الذي جعل دكتور أنطوني فاوتشي يصرح أنَّ دواء "ريمديسفير" هو العلاج القادم؟
حتى هذا التوقيت، الريمديسفير مر بثلاث تجارب مقبولة إلى حد ما، الأولى في الصين وكانت على عدد محدود من المرضى ولم تبشر بالخير، الثانية أجرتها شركة جيلياد الأمريكية حيث قارنت بين جرعتين ولم يكن هناك "Control Group" أي الذي نقارن به التأثير الفعال للدواء، وبناء التجربة لم يكن على المستوى العلمي المطلوب؛ لذلك جاءت النتائج واهية.حتى الشركة صرحت أنَّ النتائج لم تكن حاسمة. أما التجربة الثالثة فلم تُنشر في دوريات علمية محكمة، إنما نُشرت في بيان صحفي من الشركة وهي التي تحدث عنها فاوتشي.
هل نستطيع أنْ نتفاءل خيرًا؟
أولًا، نحن في مرحلة تفاؤل حريص، فالنتائج مشجعة، لكنها ليست ممتازة.
ينبغي أنْ نتحدث علميًّا، هناك أدوية تأثير علاجها جيد جدًّا ويظهر بوضوح حقيقي، والآخر يكون له تأثير معقول وليس فائقًا أو جليًّا، وتجربة ريمديسفير الذي تحدث عنها فاوتشي غير جازمة، فهناك تحسن في الأعراض وليس شفاء كاملًا أو واضحًا، وقلة مدة بقاء المريض داخل المستشفى أقل من المعتاد بأربعة أيام لا تعتبر إنجازًا كبيرًا.
- كباحث في مجال الفيروسات، كيف ترى فكرة التعايش مع الفيروس من ناحية إمكانية حدوث هذا؟
- كل الدول وليست مصر فقط تحاول حماية اقتصادها من الانهيار فليس أمامنا إلا التباعد، وإجراءات الحماية قدر المستطاع، وعلى الصعيد الآخر لا أستطيع أنْ أقول لعامل بسيط بالمعنى المصري "أرزقي": اجلس في منزلك ولا تخرج حتى انتهاء الفيروس وليس معي وسادة حريرية لك، ونحن نعلم طبيعة الحياة الاقتصادية للبسطاء. ولكن نؤكد أنَّ التعايش لا بد أنْ يكون له ضوابط وإجراءات احترازية.
- هل تختلف جينات الشعوب عن بعضها في استقبال الأمراض والعدوى؟
- بالطبع لا، المرض يرتبط بالاستجابة المناعية للأفراد، وليس لدينا أي أدلة علمية تؤكد أنَّ هناك اختلافًا في الاستجابة المناعية باختلاف الجينات أو الأجناس أو الأعراق بين الأشخاص في مجابهة المرض أو العدوى، وقصة تحصين السل البي سي جي لم تثبت حتى الآن، وليس لدينا ما يحدو بالناس إلى التعامل باستهتار.
- هواجس الخوف من فيروس كورونا لم ترحم الأصحاء بل شملت المصابين أيضًا، فهل يصاب المتعافي من كورونا مرة أخرى؟
- فكرة إصابة شخص ثم شفائه ثم إصابته مرة أخرى بعد أسبوعين أو أكثر غير خاضعة للمنطق العلمي.
- ما السبب؟
- لأن الأجسام المناعية التي تتكون في جسم المريض تمكث فترة قد تصل إلى سنوات طويلة. وقد تصل إلى مدى الحياة، ومعلوماتنا عن الجهاز المناعي تؤكد ذلك.
أما ما يطرح في ساحة الفضاء الإلكتروني من أخبار فحواها إصابة المتعافين، فله عدة تفسيرات علمية ربما الشخص لم يُشفَ تمامًا، وهنا لا أقصد بقاء الأعراض إنما أقصد بقاء الفيروس في الجسم، فقد تصل فترة بقاء الفيروس إلى 37 يومًا.
والتفسير الآخر الذي يحدث كثيرًا أنَّ نتائج الاختبارات التي تحدث أمامنا وتعطي نتائج بشفاء للمرضى تحوي أخطاء نسميه "False negative".
لا سيما إنه في المرحلة الأخيرة من المرض كمية الفيروس تكون قليلة، وحساسية الاختبار ليست على درجة عالية للكشف عنها، وهذا ما يفسر تضارب النتائج بين الإيجابي والسلبي في هذه الأوقات في حياة المريض، وهذا أثبت ونُشر في كثير من المجلات العلمية المحكمة، كما يضاف إلى هذا التجارب التي أُجريت على القرود المصابة بكوفيد 19، وتؤكد وجود استجابة مناعية، وبالتأكيد هذا الموضوع سيُلقى عليه الضوء أكثر في الأيام القادمة.
- وماذا عن فترة حياة الفيروس على الأسطح؟
- أحدث الدراسات العلمية قالت: يوم على الأسطح الكرتونية ويومان على الأسطح المعدنية وثلاثة أيام على الأسطح البلاستيكية، وكل هذا يخرج علينا في ظل ظروف تجريبية تحاكي الواقع ولكنها تحت ظروف معملية.
- بمعنى؟
- قد تختلف الظروف البيئية وعواملها على مدة هذه الأوقات، لكننا نتحدث في المتوسط.
أنا مستغرب جدًّا من اهتمام الناس الزائد بقصة حياة الفيروس على الأسطح، أنا أريد من الجميع الاهتمام بطرق الوقاية والحرص عمومًا وتطهير الأماكن والأيدي طيلة الوقت، وتطبيق فكرة التباعد أكثر من الاهتمام بذلك. كن حذرًا، تتبع كل الإجراءات الاحترازية بكل دقة واهتمام، فنحن أمام فيروس ينتشر بشكل كبير لم يحدث مثله في تاريخ البشرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق