بقلم/ نضال سواس
أعتذر لأنني لم أستطيع أن اكمل لك ماحدث معي ببيت السيدة التي أرسلتني إليها ..لم أجد قلما أكمل به رسالتي إليك ،فقد جف حبر قلمي ،فرميت به ونهضت أبحث عن قلم جديد .هكذا هي الأمور ، دائما مايوجد حدث أي حدث يعيق ما ابتدأناه ...كما شأن الحياة ...كان من الصعب البحث عن قلم في هذه العتمة ...دون كهرباء وفقط على نور الشمعة ...حتى الشمعة كانت تتراقص برقصة الموت والتلاشي ...ذهبت إلى المطبخ حيث كنت قد أعددت إنارتي الخاصة التي بات يعتمدها الكثيرون ..كأس صغير ملأته حتى ربعه بحبات العدس وجدلت خيطا سميكا غرسته بوسطه جاعلة إياه كفتيل وسكبت بعضا من الزيت فأصبح عندي شعلة بسيطة ...كانت ثمة رائحة احتراق كنت أتحملها على مضض .
مالبثت أن تذكرت قشرة البرتقال التي علمني أحد الجيران كيف أنها تمنح نورا أكثر حين يشع اللهب بداخلها ناهيك عن رائحتها العطرة ...كما أرواحنا ...تحترق وهي حاملة لوهجها ...نعم أثرثر كثيرا على الورق لأنني أبتلع صوتي بداخلي، تلك الشفاه قطبت بخيط صمتها .
هي العتمة ...مازلت أبحث وأتخبط ...العدس والنور ...تحضرني كلمات كان يرويها لي أحدهم عن معنى رمزي لكلمة عدس بسوريا
في الستينيات من القرن الماضي
بالصراعات على الحكم في سورية و في إحدى المراحل هيمنة تحالف الأقليات و هي من العلويين و الدروز و الاسماعيلين باختصار كانت كلمة عدس هي الرمز لهذا التحالف ..إلا أن الإقصاء كان بداية التهميش للفئتين الدرزية والاسماعيلية لتسود شعبوية نظام البعث الذي انتقل إلى تحالف أكبر استفاد فيه من ضم فئة الفلاحين إليه بعد التأميم الذي كان إبان الوحدة والذي ماكان بحقيقة الأمر إلا للسيطرة على أموال الفئة التي كانت بيدها تقاليد الحكم والأموال لتوزع بشكل ما بدا بحينه كسبا لفئات أكبر من الشعب تعزيزا لهدف سياسي ..هل تعلم وكأن الأمر أن تحيط بلوحة من القياس الكبير بإطار ضخم يهيأ إليك في حينه أنك تمسك بها لكن ...؟ لا تلبث المسامير أن تتفكك لتسقط أطراف الإطار واحدة تلو الأخرى كل واحدة بمكان وليتكسر الزجاج الذي وضع لحمايتها وتخدش وتتمزق معه هذه اللوحة ...لوحة إجتماعية هيأت لتعرض بمعرض لتكون واجهة لصورة ليست بالحقيقية .. لم تتماسك فما كان هنالك جدية للحفاظ عليها ..الفئات المغلوب على أمرها ازدادت بؤسا واستغلت أكثر فأكثر ...
لماذا اتحدث معك عن العدس ؟ هل تعلم كم ارتفع سعر العدس الآن ...مكلف طعام الفقراء ..نعم مكلف جدا بعد احتكار المزروعات لتصديرها .أتساءل ماذا يطعمونكم في السجون هل يطالكم التقنين أيضا ؟ربما ؟ العدس مكلف للغاية كفاكم شراهة لا بد من أن تدعموا الاقتصاد ..شعب واحد، معدة واحدة ...محظوظون يا أنتم هو نظام غذائي يحفظ لكم صحتكم ...اللحوم ضارة جدا أظنكم تعلمون هذا ...أستحضر بذاكرتي بعض أقوال أحد المسؤولين عن الغذاء ...لا لا أريد أن أقول ماكان يهرف به مقرف جدا أن يتحدث الشبعان عن ألم الجائع ... آه كيف لو علموا أن ثورة الجياع لا تعرف المهادنة !؟
أطلت عليك الحديث ...لا شك أنك تهز الآن برأسك بنفاذ صبر ...ثم لا تلبث أن تقول ...بكل الأحوال ما من شيء لدي لأقوم به فلأتابع رسالتها ...
نعم نحن فقط نتابع ونتابع كل شيء بحياتنا هو الزمن المطاط ...حاولنا من قبل أن ننتهج السرعة ...فسقطنا مع عقارب الساعة .....
الغرفة فارغة والساعة تدور وتدور عقاربها بصمت ...نعم بصمت ... يقولون تراتبية اهتزازات الصوت تحطم الأعصاب ...حسنا ما من صوت ...لكن ؟!
من قال بأن أعصابنا لم تتحطم ؟
الزمن ...الامتداد ...الحدث ...؟
ربما كشعوب نحن متفردون بتميزنا الغريب بالعشوائية ...نحب تسلق الأزمنة الهوجاء ..ونندفع بخيولها للا وجهة ..فقط لنسقط ..
الأسرع دائما في القبول في التأييد في الاعتراض في السقوط ...ونحن البطيؤون جدا في الوعي ...
الأسرع والأكثر بالإنقلابات والإنهزامات ...
كان من الغريب جدا أننا ربما مافهمنا من عصر السرعة إلا اللامنطق أكان هذا نوع من التميز ؟
هل تصدق أن أسرع حكومة بالسقوط كانت الحكومة الثالثة بسوريا استمرت أربع وعشرون ساعة فقط لناظم القدسي اذ قدم استقالته بعد تشكيل الحكومة الثالثة ولم يمض عليها سوى أربع وعشرون بعد اجتماعه مع الشيشكلي والسلو لتكون هذه أقصر حكومة في تاريخ سوريا الحديث ...
نعم هو التشتت ...أنت تقول لنفسك هي مشتتة ..هذا طبيعي شأني بهذا شأن الجميع
التشتت بالأفكار أصبح سمة ملازمة لكل فرد فينا ..ربما لتتناسب طردا مع تشتتنا الداخلي والخارجي .
أذكر لك ما أذكره لأنني كما غيري تعذبني وتخيفني السيناريوهات المكررة الملتحفة دائما بالغموض .. كل شيء متعب ..لكن كأننا نسبح بالهروب .. نعم نحن نسبح إلى حدود الغرق ...تصور أن يكون خلاصنا هو بالغرق . هو تعب الاستماتة في الإيمان بالأفضل ..بالسلام والعدل
أناوأنت كما غيرنا ،وكما الجميع نطالب ..ودون جدوى .. نعم تلك المطالبة ستكون دون جدوى وهذا هو الغرق بعينه
أن نطالب بأن نعلم... بأن ندرك ما جعلوه التابو الأعظم والعصي على الإقتراب والإدراك
تابو.... الحقيقة.....
فماذا بعد ؟؟ !!!!
......يتبع
من كتابي "" رسائل إلى ساندريللو ""
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق