((٤)) الرسالة الرابعة
ساندريللو ..٤
من جديد أعود إليك وأنا أعيد ترتيب أوراقي المهترئة ، في تلك السندرة كنت جالسة القرفصاء وأنا أحاول بصعوبة جذب صناديق كرتونية يعلوها الغبار ، كنت ماأزال أبحث عن صورة لشهادتي الجامعية ..لا أعلم لم وضعتها هناك بهذا الإهمال ، ربما لأنني مااعترفت يوما بالشهادات إلا كتحصيل حاصل لمراحل يمر بها الإنسان في سبيل الانطلاق منها نحو دراسات أهم ....
كنت أعتمد على حاسة اللمس بمسام أصابعي وأنا أبحث هنا وهناك بين هذا الكم الهائل من الأوراق إلى أن تلمست بأصابعي هشاشة بالغة النعومة بملمسها تحسست أطرافها اكثر فإذا بها اهتراءات ....
أثارني فضولي لمعرفة مابهذه الأوراق بدأت بجذبها برفق لأجد أنها صحيفة قديمة مهترئة لكن مطوية بعناية ...بحثت بعيني عن التاريخ ..بداية الستينيات ..صفحة تحمل عشرات المقاطع الصغيرة يفصح كل واحد منها بدوره عن تبرؤ صاحبها من انتسابه إلى الحزب الشيوعي ...ذكر لأسماء أصحابها معظمهم من الطلبة الجامعيين أو من المتخرجين الجدد
....كان هذا التاريخ يعود إلى عهد الجمهورية العربية المتحدة...
يأتيني صوت جدتي من بعيد يخترق جدران التساؤل ويمزق ضبابية الفكرة بمشهد لم أدركه يومها كان يحلو لجدتي تلك الشركسية المثقفة أن تتحدث بالسياسة وبحقوق الإنسان على قدر ما كانت تسمح لها ثقافة ذاك الزمن :
السلطة ضابط شرس لا يرحم
سجن العديد في ذاك الوقت وكانت أصوات التعذيب رهيبة جارنا إبن نبيهة خانم فقد سمعه أثناء التعذيب ..مع الوقت يوما ما ستفهمين يا صغيرة أنهم لا يسمحون للفكر بالتجول بأروقة الحرية ...الأفكار كما الأذرع المعلقة بالقيود ستتقرح بالجروح وقد تصاب بالتسمم ...بعض الأعضاء المجروحة المسممة تبتر ..ولهذا ...فالكثير من الأفكار أيضا ستبتر .
كنت أسمعها بطريقة طفولية وأستغرب جدتي
أراك تدافعين عن الفكر الشيوعي وأنت التي تستنكرين إنكاره للذات الإلهية ..لماذا ؟
كانت تأخذ بهز رأسها وتجيب ليس هذا هو الموضوع بل أن السجون مليئة بجماعة الإخوان أيضا، ترين أن المجموعتين هما على طرفي نقيض كلتاهما لها فكر يناقض الآخر ..ليس هذا ما أحاول أن أقوله لك ...بل الحجر على التعبير على الفكر كائنا ما يكون بهذه الطريقة دون أن يمنح الإنسان الفرصة لبسط مجمل الأفكار والنظريات بشكل سلمي ليختار منها ما يشاء .
سيجد الإنسان نفسه مع الوقت أمام حزب واحد وفكر واحد مفروض عليه وهذا بحد ذاته استعباد لحرية الرأي .
_هل ترين أن هذه الأحزاب صحيحة ؟
_ لا أقول أنها صحيحة لكن يجب أن نفهم ما يحيط بنا من أفكار ونظريات ...يجب أن نرى العالم بمنظار شمولي .
_ حتى يكون لنا الحق باصطفاء ما يناسبنا وماهو منطقي وأقرب لإنسانيتنا .
كانت كثير من الأحاديث تجري بيننا أنا والجدة ...كنت أفهم من خلالها معنى الرحمة ومعنى الإنسانية ..معنى القسوة ومعنى الاستبداد .
عزيزي ساندريللو حين يسير بعضنا بالشوارع حاملين أبواق ننادي من خلالها بأهدافنا ...لن نستطيع التوصل هكذا إلى ما هو إيجابي فعلا ً .
قد تستحثنا اللحظة فقط للحماس ومن ثم نمضي ...لكن ؟
ما أريد قوله أننا حين تطرز كلمات الحق مع نسيج أرواحنا منذ طفولتنا ...سنبقى أمينين عليها ما حيينا لأنها باتت تشكلنا .
كنا نتساءل أنا وأنت كيف ؟ لم ؟ وحتى متى ؟
الأجدى بنا أن نغير السؤال إلى
منذ ما قبل الأمس وما قبل الولادة ..إلى ماقبل نقطة الحليب الأولى بفم طفل أن تتدفق قوانين الرحمة والعدل والإنسانية مع جرعات العطاء إبان مراحل تربية أطفالنا ..
تذكرت للتو ما كان منك من توق للسفر ...أعلم أنك لا تسافر الآن إلا بالحلم ...لم أسألك هل في غرفة سجنك نافذة بقضبان حديدة ؟
وهل تخط على الجدران خطوطا صغيرة تمثل أيام وسنين تواجدك ؟
ما أسخفني وما أقساني ...وكأنني لا أعلم أنك مكبل بالأكثر بظلك المرتعش تزحف عبثا بين أخاديد الصمت تحاول أن تفرغ من جمجمتك صرخات تهويل وتعجز يداك عن أن تسجل تواريخا تعاف ذاتك ذكراها ..
ساندريللو ...لك أن تنقشها هناك على السماء ..افكارك ...أحلامك ...صرخاتك ..السماء نقية ..لن تتلف أبجدية روحك يا صديقي ..مازال هنالك بضعة أيام على موعدنا للتواصل ...سأرسل لك رسالتي قريبا .
من كتابي"" رسائل إلى ساندريللو""
نضال سواس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق