"جمالياتُ المكانِ وأثرُه النَّفسي"
في المجموعة القصصية الجديدة
"تحرُّشات الذاكرة"
للأديب : محمود شامي _چيبوتي Shami Mahmoud Shami
قراءة بقلم الاستاذ : محمود الدبعي
المدرسة السعودية بجيبوتي
عضو نادي القصة الجيبوتي
--------------------------------
أهداني صديقي المهندس محمود شامي مشكورا، مجموعته القصصية الثانية تحرشات الذاكرة.. والمجموعة لازالت مخطوط وفي طريقها الى الطبع والنشر ..
هذه المجموعة تضم ٦٢ نصا سرديا، و مقسمة الى جزئين:
١/ ومضات وقصص قصيرة جدا (٤٢ نصا) اثنين واربعين نصا
٢/ قصص قصيرة (٢٠ نصا)
...
هذه المجموعة ثرية ومتنوعة تحوي قصصا واقعية ، وقصصا من ادب السرد الذاتي وادب الفانتازيا (الخيال العلمي)، والأدب الساخر ، وأدب الكوارث والحروب واللجوء ..
حوت المجموعة ، ثلاثيات قصصية ذات العنوان الواحد والموضوع المختلف مثال ذلك قصة تواطؤ، رقم ١٨، ١٩، ٢٠ وسلسلة قصصية ٥٩، ٦٠، ٦١ ، ٦٢
ومن وحي قراءتي للأربع القصص الأخيرة وهي ذاكرة الشتات وذاكرة الإبحار وذاكرة المطالب وذاكرة المخيم، وبعدما قرأتها ليلة البارحة وبعجالة سريعه اتتني فكرة الكتابة عن المكان لدى الأديب شامي......
فقد قرأت ذات مرة لأحد الفلاسفة الفرنسيين وهو يتحدث عن جماليات المكان وأثره في تكوين وعينا النفسي، فالمكان الأول في وجداننا العاطفي سواء كان كوخا أو قصرا يترك أثره في اللاوعي الذي يعيد إنتاج الصور عن ذاك المكان ومع مرور الزمن تكون تلك الصور مطابقة غالبا للواقع بل إنها مطابقة لذكرى المكان في مخيلتنا....وهنا وأنا أقرأ لشامي الاديب والمهندس اجده قد كون لذاته مكانا واقعياً اتخذه من منهاج في كل قصصه ، واجده مطابقا لواقع عاشه مع انه أيضا مطابقا لذكرى تلك الأمكنة التي كانت في مخيلته،
إنَّ دلالة المكان لدى محمود شامي واضح ، وبكل جدارة استطاع توظيفه في تكوين إطار الأحداث والمخيلة الروائية أو القصصية ، ويرتبط ارتباطا واقعياً مع مايقوم به من سرد ووصف، فهو لا شك مكان حقيقى الا من شذرات هنا وهناك تبدوا للقارىء إنها من الخيال ... المكان في قصص شامي يربطك بشكل وثيق بالأرض وبما تمثله من نماء وخصب واحداث ومأسي..
لديه انجذاب شديد نحو تلك الأوطان الأربعة ان جاز لي القول، رغم أني أحس أن شامي كالجندي الذي بترت أجزاء جسده في ساحة حرب، ثم بعدها أدرك أن البلد الذي حارب من أجله تصالح مع الطرف الآخر،، أشعر وأنا اقرأ قصص شامي بثقل يرافقني نحو ذكريات الماضي البغيض بكل قصصه ، أشعر مرات بمدى تعبه من الطريق والاحلام والناس من الغد ومن الأمس من الوعود ومن الايام والصبر، وطول البال من التعقل والتأني والغضب.
لا أدري كيف يأتني ذاك الشجن المؤلم، والحزن الكثيف، وأنا أقرأ لمحمود شامي كيف هذا الاديب الزقوة استطاع ان يلم بمفردات أربع دول الماما كاملاً وثرياً ببحرها وجبالها ، وسهولها ، ووديانها وعاداتها واغانيها واحلامها وكل مايكمن ان يخطر على بال، الرجل لديه كثير من الإبداعات يعجبني وهو يتحدث كرجلٍ ماهر عن حياة أهل البحر، وقصصه والمه، وكل مايخطر من توصيفات حول البحر دوماً يربط بين شاطى الداناكل وشاطئ بر العرب بجسر وبقنطرة مهمة ،، صحيح الثقافة الخليطة والمهجنة التي يحملها جعلته في هذا المرتقى الصعب...
مجموعة تحرُّشات الذاكرة ل(محمود شامي) التي ستصدر قريبا باذن الله ،تجد فيها عناوين كثيرة مثيرة لاقصوصات فريدة من نوعها، أحيانا نجد نصا لا يتعدى سطرا واحدا، لكن من خلاله تكتمل فكرة الكاتب لديك بلا تشويش وفيها يخلط شامي بين عدد من مفردات أكثر من لغة وأكثر من لهجة...وفي الأقصوصات الأربع التي قرأتها تجد شامي يدلف إلى ادب السرد الذاتي أو السيرة الذاتية ويغترف منها أحداث ماضيه البعيد ، ووقائع أعاد إنتاجها نصّياً محاولا توثيقها للتاريخ وللناس، ويعكس من خلالها وقائع معيشية لمجتمعاته وتلك الأيام الخوالي بتجلياتها بمرارتها وعسلها أحيانا بلغة شاعرية وشعرية تنقل من خلاله صدق ومشاعر ذاته، ويعتبر شامي هذا كنوع من العزاء والتنفيس خاصةً وهو يدرك ان الكتابة هي من تواسيه وتضمد.جراحه، في ذكرياته التى لم تكتمل بعد ، ينقل شامي من خلال كتاباته ثقافة اوطانه المحلية وأجواء واحوال تلك الاوطان والشعوب واغانيهم الشعبية التراثية، ومخيلاتهم وموروثاتهم الثقافية.. كما أنه لاتخلو روايات وقصص (شامي) من الذاكرة الصوفية ، والاضرحة واولياء الله الصالحين وصور جميلة وصادقة.
...ويقول شامي في حديث خصني به:
أن القصة المركزية "تحرشات الذاكرة" التى عنونت بها مجموعتي قصة فريدة من نوعها من حيث الأسلوب القصصي ، فقد خرجت فيها قليلا عن أسلوب القص التقليدي من حيث المضمون فللقصة بطل وسبعة شركاء (حليمة الريفية ؛ ومريم من الكتاب ؛ هناوي زميلة المدرسة ؛ باركرالمعلمة ؛ وكساندرا الوهم ؛ زهيرة الأمازيغية ؛ وغزالة الأفريقية ....
ويكمل سرده عن أوطانه ، يا أخي أوطاني ثلاثة، وكلها بحرية ، مولدي في إريتريا بمدينة بحرية ونشأتي وتربيتي في مدينة الخوخة الساحلية في اليمن، وحاضري جيبوتي العاصمة وقريب من البحر ايضا، وغدي او حلمي هو وطني الرابع و ياصديقي أنا أشعر أن وطني الذي يعيشني ثلاثي الاضلاع والزوايا حددت لي الأقدار ، هي من شكلتها كما تشكلنا وتشكل كل ما يحيط بنا.
وعن الأربع القصص الأخيرة من كتابه يقول تعتبر سلسلة قصصية ، وهو فن قصصي حديث ، يشبه الرواية، لكنه يكتب بأسلوب او سرد قصصي ....
أتمنى لصديقي مزيدا من الديمومة والإبداع والتميز...
_________________
أستاذ محمود الدبعي
المدرسة السعودية بجيبوتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق