الجمعة، 10 سبتمبر 2021

عزيزي ساندريللو .. بقلم/نضال سواس



بقلم/نضال سواس

أكتب إليك وأنا بالكاد أستطيع رؤية ما أكتبه ...لكنني بحاجة للتنفس معك ...كلانا نحتاج أوكسجينا من صدق .. أفكر الآن بتركيبة الهواء . ما نحتاجه منه هو خمسه بالتحديد فالأوكسيجين بتركيبته لا يتواجد إلا بنسبة ٢١ بالمائة من الهواء ...والنسبة العظمى للنتروجين وثلاثة بالمائة كربون وأقل من واحد بالمائة غازات خاملة ...

 ساندريللو لا تضحك بضيق على ثرثرتي هذه تمهل رجاء ، فكر بحكمة التروي لاستقاء الحقيقة ...فكر كيف أننا بمحيط نحتاج منه إلى خمسه لنتنفس ، بينما هم يخمدون كل مايجعلنا قابلين للحياة .. أفهم جيدا أن للحياة توازنها وشروطها ولكن ماذا عن وجودنا ؟ألا ترى معي هذا الرابط النسبي بين ماهو كائن وما هو مطلوب ؟  

 ‏حسنا لنعتبر بالتالي أن حاجتنا هي فقط الخمس ...قانعون نحن بأن يأخذوا الباقي فقط ليدعوننا نعيش ...هو نوع من المقاربة المادية مع تلك المعنوية ...لو تطبق ونأخذ حاجتنا لنحيا لما كان الاعتراض ؛ لكن أن يسحب منا كل شيء كما لو كنا أمام مكنسة كهربائية تشفط الغبار إلى حدود الالتصاق بالسجاد بالأرض ...لسنا بالغبار ولم نخلق لتشفط مننا أنفاسنا ...مؤلم ما يعيشه الإنسان .. 

 ‏ساندريللو ...نذوي ماقبل وجودنا حتى ...هل أنت مدرك لهذا ؟  شعلة الحياة كما لو كنا عود ثقاب مبلل لا حياة لنار شعلة به ...مازلت أفكر بالورق الأزرق الذي كان يغطي النوافذ أيام الحرب  ....لعبة اللون خديعة .نعم هي خديعة ، كنا نرى الأزرق صفاء وأصبحنا نراه تورية من أجل السلام ...بكل الأحوال ...كانت حرب السابع والستين أبسط بكثير  من حرب مازلنا نعيشها الآن ...نخجل أن نقولها لكننا قلناها . ..ما يفعله أهل البلد أقسى مما يفعله العدو .الحرب الأهلية دمار إنساني شامل وبشكل خاص إن كان من يديرها ويغذيها هو من يجب أن يكون هو المخلص ...لا غرابة في هذا فالنيران قد تكون دفئا وقد تكون وبالا، ً لها أن تختار دور البطولة فيما تراه الأنسب .

 ‏الوضع ببلدك له شكل آخر من الأذى ..أذى الفساد قد يكون ترفا بالنسبة لأذى الدمار .بكل الأحوال الإنسان هو الثمن. بالنسبة للثمن فكم أصبح سعر الدولار اليوم ؟ هل لديك فكرة ؟ لا  لا تتساءل أنا أبعد ما أكون عن التجارة .. فقط ..أتساءل ...ربما التساؤل هو لبنة الوجود الأولى ...نتساءل لنجد جوابا ً يكون ركيزتنا في بناء سلم أولوياتنا ....أحيانا أولوياتنا يتغير ترتيبها على قدر الموجود ...لكن ثمة أول لا غنى عنه ولا ولن يتأثر بقائمة الموجودات وتحولاتها المرتبطة بالتغييرات ...هذا الأول هو الضمير 

 هو الحسبان الأول الذي لا يغيب ...هو تابو الإنسانية المفروض عدم المساس به 

 ‏..أيها الغائب إترك خلفك كل شيء قبل أن تغادر ،إلا الضمير ..ليكن ظلك وحقيقتك .

 ‏ساندريللو ...هل ننطلق بأبواق تعلن عن وظائف شاغرة للضمائر ؟ ...

 ‏كثيرون قد غادروا وبقي مكان ضمائرهم خاليا ...بعضهم استلقى ضميره كظل مطبق تحت جثة هامدة في سجن بارد وبعضهم كاد ضميرهم أن يتمزق تحت سياط التعذيب فحاول التملص بكذبة ...لا نعلم يا ساندريللو كل ما أدريه أن معظم الضمائر غادرت وطفت على سطح مياه بحر يلاعب أجساد الغرقى ...هناك أيضا كان الأزرق يمارس مرة ثانية لعبة الخديعة ...لطالما توهمناه الأمان والصفاء لكنه بات ناقلا لسترات نجاة طافية دون أصحابها ...لون برتقالي طاف كما أزهار لوتس تنساب بعيدا عن إنسانيتنا تذكر العالم بأسن الرحيل المدبر لإخلاء ساحات الوطن .

 ‏هو الكرنفال نعم هو كرنفال حزين اختير له توقيتا عالميا تشارك في طقوسه عديد من الشعوب المغلوبة على أمرها .

 ‏كالدمية في كرنفال .

.على ظهر سفينة آيلة للغرق 

يراقصها كل المعربدون ...المقنعون ...

ويمارسون طقوس الوداع ما قبل الغرق ...يستلون خناجرهم ويمزقون أجزاءها 

كالدمية في كرنفال ...ترمى تحت أقدام من خلعوا أقنعتهم ومضوا ...

كالدمية في ....كرنفال ...ثوب متسخ ....وأقنعة 

مكسورة ...كانت براقة ....

كالدمية ...في كرنفال ....وسماء شاركت في العربدة فاشتعلت ....واحرقت .....سوريا.

أبحث عن ضماد أضمد به كاحلي ، إذ كنت قد تعثرت اليوم بطريق العودة حيث كانت العتمة هي السبب وكنت أستعجل الوصول إلى بيتي ، قد أعلنوا  في الحواجز عن تلافي الخروج بعد الساعة الرابعة مساء حيث تشتد الإشتباكات ويشتد معها القنص أيضا ً .

كنت مرغمة على الخروج لتأمين حاجيات البيت من المعبر ، لو يدري الناس كم أن الوصول إليه كان صعبا ، كنت مضطرة لهذا فكل المحال التجارية قرب بيتي مقفلة فاضطررت للذهاب مع جارتي( أم عبده ) التي تحاذر من مغادرة أبناءها خوفا من قنص أو اعتقال ، هكذا هي الحال ...إنها الحرب سيدة المفاجأات السيئة .

_ ضعي شيئا على رأسك، لن يكون مظهرك مناسبا هذا مناسبا بين تلك الجموع الغفيرة ، لا نعلم كم من الدواعش متغلغل هناك .التكفيريون منتشرون بكل مكان وكأنه لا يكفينا ما نحن به .

قالت كلماتها هذه وهي تحثني على الإسراع .

طبعا ساندريللو لا أستطيع أن اصف لك المعبر كما يسمونه ...أعتقد أنه شبيه بيوم الحشر ، يوم البعث ، لا أعلم لم كان هذا التداخل اللامعقول لمشاهد لوحة القيامة لمايكل انجلو مع مع كنت أشاهده وأنا أتدافع بقسوة بين حشود الناس ...أعلم أنك الآن  تضحك ساخرا وتتمتم بكلماتك المعهودة ((البورجوازية اللعينة )) لا ليس ما يخطر ببالك البتة ، فما كنت فيه لم يكن نوعا من الترف الفكري الوافد بغير مناسبة ، لا ، بل هو نوع من فانتازيا التداعيات الإنسانية التي نحن  البشر نكون عاجزين عن التحكم بها ...هي اقتحام لا إرادي لمداركنا ...بتلك اللوحة لون الجسد البشري هو الطاغي وهنا كانت السطوة للون الألم ...

كانت لوحة ملونة بدرجات الألم والهزيمة والحنق ...لوحة صاغتها ريشة الوحشية كانت ضربات هذه الريشة مسننة للغاية تنهال على هذه الحشود تنهشها بحدة ...تصور يا ساندريللو أنني كنت أرى ما يجري وكأنه يرسم بريشة من أسياخ معدنية تغرس أكثر فأكثر لتطلى اللوحة بلون الدماء .

اللعنة على حالة الغيبوبة الذهنية التي تجتاحني في حالات الألم لأنفصل تماما عن الواقع عبر غوصي به أكثر فأكثر ...

نعم هو التناقض الأكبر إن كنت تفهمني .

هو الهروب عبر التماهي .

...  يتبع 


من كتابي  "" رسائل إلى ساندريللو 

ضمير لا يغيب ""





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بلال صبري يعلن موعد عرض "أوراق التاروت" في يناير المقبل بمشاركة رانيا يوسف وسمية الخشاب ومي سليم

  أكد المنتج بلال صبري أن فيلمه المنتظر "أوراق التاروت" سيُعرض في 10 يناير المقبل، مُشيدًا بأداء طاقم العمل المميز الذي يضم كوكبة ...