بقلم د /لمياء عبد الحميد
الثانية بعد منتصف الليل .. هذا ما أعلنته للتو ساعة محطة رمسيس وصوت القطارات تخرق سكون الليل البارد .. لطالما كانت المحطات والقطارات تخلق داخلي مشاعر متناقضة .. لا أعتبرها مجرد وسيلة نقل .. بل هي وسيله لنقل و إبعاد كيان وقلوب و أرواح أُناس وأخذهم بعيداً
عن أوطناهم و أحبابهم لمحطة أخري يجهلوا عندها مصيرهم .. وهنا أيضا يلتقي كل ملهوف ومشتاق عائدا لأحضان من افتقدهم وافتقدوه .. فكل منا هنا يحمل معه تذكرة ذهاب بلا عودة وآخرون من يملكون الامل في عودة بعد فراق ..
كُنت للتو انتهيت من تناول القهوة وقطعة الكيك حتي سمعت النداء برقم القطار
الذي سأستقله من رمسيس الي محطة المنيا التي دائما أشعر بالحنين إليها حتي وانا هائمة في شوارعها .. الجو بارد بعض شيء ..هكذا ليال نوفمبر نسيم بارد قبل تقلبات الشتاء و تقلبات مزاجنا معه ..
رقم مقعدي ٥٥ .. لا أحب أبدا تلك الارقام الفردية .. لا أحب أن أكون بمفردي ..
لا نحب الوحدة ولكننا طالما ما أُجبرنا عليها..
وأُنسنا الوحيد كتاب أو أغنية لها طابع الذكريات أو نجوم ليل شاردة مثلنا عن مجموعتها .. ليس هناك من أن تعتقد أن رقم مقعدك يحمل أيضا همك و تنظر إليه كرسالة من القدر.
قاطع صوت الركاب و أمتعتهم خواطري و بدأت أضيع الوقت اتفرس ملامحهم ..
ربما يحمل هذا الشاب هم عائلته وحبيبته وذهب ليعمل بعيدا عنهم من اجل المال .. وتلك الفتاة التي يجذبني اليها شيء ما ربما هو غربتنا عن مدينتنا .. اما هذا العجوز فـ علي الأرجح كان في زيارة لأبنائه وأختلس من العمر لحظات مع أحفاده .. أضعت وقت وانا افكر بهم ثم هممت بإخراج سمعات الأذن
للإستماع الي بعض الموسيقي حتي شدني لحن لم يكن غريباً عني يوما لطالما سمعته يلحن اسمي ذات الثلاث حروف .. لا تضيع أذني بصمات صوته أبدا..هو إذن وصوته يصلني وتلهث عيني وراء مصدر الصوت حتي أبصرته أمامي..لا يراني ولكني أراه وأبصره بقلبي أكثر من عيني ..لا يسمعني ولكني كلي آذان صاغية له
سبع سنين عجاف مروا علي قلبي تعلم فيهم القوة المفرطة علي المشاعر ولكنه وفي لحظة سماع صوتك انهار بلا مقاومة ..كالمعتاد لم يكن لينصفني قلبي أمام جاذبيتك المتحكمة في أوصاده .. حتي تلك الشعرات البيضاء التي خطت رأسك ما زادتك الا وسامة ..
تذكرت أصابعي وهي تداعب شعرك ذات يوماً أن الشيب لن يعرف الطريق لك قبل الخمسين .. كنت خاطئة فـ هموم الحياة اليومية تضع بصمتها علي لون الشعر وتجاعيد الوجه وخطوط العين .. آه وما أشد الحنين لعينيك أخشي كثيرا من أن يصيبني سهم عينك واهرب منها الي أحضانك كما تعودت معك ..
لا تعلم اني خلفك يا عزيزي تنظر من النافذة مستعجلا قدوم المحطة تلو الاخري وبنفس الوقت تمر برأسي محطات الذكريات و أوقات لا تنسي..
عندما دخلت حدود المنيا خالطني الخوف الشديد والرغبة في أن أراك وجها لوجه .. فكرت في الخروج من باب عربة ثانيه ولكن الزحام أفقدني الامل في ذلك ..
وقف القطار وبيني وبين الباب أمتار قليلة ولكني أريد العبور كشهاب ثاقب دون أن تسترق النظر لي او يدلك قلبك عني .. حزمت أغراضي وهممت بالوقوف مقعده حمل رقم ٥٠ .. أيضا يحمل الاشارة بأنه يفتقر الانس ووحيدا ما زال .. لم تكن تلك وجهة وصوله ولكنه وقف فجأة ليفسح المجال للراكب بجانبه ..
وعلي غير قصد منه لمس كتفي فأعتذر لا إراديا ولكن بكامل إرادته لم يرفع عينه عني .. و رغم تلك الزحمة والفوضي التي يحدثها الركاب كنت اشعر بأننا في صحراء بعيدة لا نري فيها غير أنفسنا .. أمسك عني ماكنت أحمل وامسك بي فدموع عيني غيبت عني الطريق ..
هي دموع أعلم مصدرها كانت تنهمر من قلبي قبل عيني.. تتجه روحي نحو باب القطار حيث الخروج الآمن لها من تلك المتاهة .. ينادي باسمي وانا لا أبالي حتي خفت صوته .. اربكتنا تلك اللحظات القصيرة اربكت عمرا وسنين .. تركت القطار ومن في القطار ورسرتزبشوارع مدينتي اللي اtحتضنتني بعد كل كسر ..
انا بين الف عين الان تنظر الي ولكني افضل الف عين ولا افضل ان يصيبني سهم عينيك ابدا ..
المنيا وهذا آذان الفجر يصدح الله أكبر .. الله أكبر ودعت قلبي بين يدي رحمن رحيم..
تمت .. ❤️
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق